المكلف يعقل قصد التقرب ولو رجاءً واحتمالاً ولو كان هناك نهي في الواقع ، ويترتب على ذلك : انه مع عدم وصول النهي يقطع بالصحّة لا انَّ الصحة تكون ظاهرية.
كما انَّ هذا البرهان يأتي في تمام أقسام النهي عدى القسم الرابع (١) ، فانّ النهي في القسم الرابع لا يكشف عن مبغوضية متعلّقه وانما يكشف عن مصلحة في جعل النهي ، فقد يكون حال المولى مع فعل المتعلّق أحسن من حاله مع عدم فعله.
كما انَّ هذا البرهان يتم حتى لو بنينا على جواز اجتماع الأمر والنهي على أساس الملاك الأول أو الثاني لجواز الاجتماع ، فانه مع تقديم جانب النهي وافتراض انَّ الفعل الخارجي مبغوض للمولى لا يمكن التقرب به. نعم لو بنينا على جواز الاجتماع على أساس الملاك الثالث فلا يتم البرهان ، فانه بناء على هذا الملاك يكون هناك وجودان في الخارج أحدهما مبغوض للمولى والاخر محبوب له ومعه يمكن التقرب بالوجود المحبوب ، بينما البراهين السابقة لو تمت فهي مختصة بخصوص فرض امتناع الاجتماع ولا تتم بناء على جواز الاجتماع سواء كان على أساس الملاك الأول أو الثاني أو الثالث ، فانَّ مقتضى القول بالجواز فعلية الأمر ووقوع الفعل مصداقاً للواجب ، وهذا يعني ثبوت المصلحة فيه فينتفي البرهان الأول ، ولا بدَّ وأَن تكون هذه المصلحة غير مندكة وغير مغلوبة في دائرتها كي يمكن نشوء الأمر منها فينتفي البرهان الثاني ، ومع وجود الأمر وفعليته يمكن التقرب فينتفي البرهان الثالث ، وكذلك تستكشف المصلحة من وجود الأمر فينتفي البرهان الرابع.
وتحقيق الحال في هذا البرهان يتوقف على ذكر مقدمة حاصلها : انَّ المقربية أو
__________________
(١) إذا جُعل المانع عن التقرب في هذا البرهان المبغوضية بوجودها الواقعي تمَّ ما ذَكر من انه يجري في تمام أقسام النهي ما عدا القسم الرابع ، إلاّ انه حينئذٍ لا يختص البطلان بصورة العلم بالنهي بل تبطل العبادة مع الجهل بالحرمة أيضاً وهذا بحسب الحقيقة رجوع إلى برهان تقدم.
وإِن جُعل المانع المبغوضية الواصلة إلى المكلف فهذا يرد عليه : مضافاً إلى ما أفاده الأستاذ ـ ١ الشريف ـ :
أولاً ـ انَّ أخذ حيثية الوصول بنفسه دليل على انَّ المانع بحسب الحقيقة ارتكاب العصيان القبيح عقلا والّذي سوف يأتي في البرهان القادم.
وثانياً ـ لا يتم فيما إذا كانت المبغوضية غيرية أي في القسم الخامس من أقسام النهي لما تقدم من انَّ التكاليف الغيرية ليست لها منجّزية ولا مبعّدية من حيث هي تكاليف غيرية.