كذب الثالث وعدم صدقهما معاً على تقدير صدقه ، والأول خلف التعارض والثاني خلف ما افترض من كون رفع اليد عن الظهور الثالث موجبا لارتفاع التعارض بينهما فيتعين الثالث الّذي يعني وقوع التعارض بين مجموعهما وبين الظهور الثالث أي يدل الظهور الثالث على كذب أحدهما على الأقل فيكون كل اثنين منهما يكذب الثالث ، وبهذا يتبرهن استحالة ما ادعي في الضابط من إمكان رفع التعارض بين الدليلين برفع اليد عن ظهور ثالث غير معارض فانَّ مثل هذا غير معقول في نفسه. نعم نستثني من ذلك حالة واحدة وهي ما إذا كان مجموع الاثنين لا يمكنهما نفي المفاد الثالث بالالتزام لعدم حجية المدلول الالتزامي لهما وذلك فيما إذا ورد ( أكرم كل فقير ) وورد ( لا يجب إكرام زيد ) الّذي يشك في كونه فقيراً وورد دليل ثالث يدل على ( انَّ زيداً فقير ) فانه لو لا الدليل الثالث لما كان تعارض بين الأولين ولكنه مع ذلك لا يسري التعارض إليه الأبناء على حجية أصالة عدم التخصيص لإثبات التخصص وهو غير تام كما هو محقق في محله ومنه يظهر انَّ ما ذكره من المثال ليس مصداقا لهذا الضابط فانَّ التعارض فيه بين مجموع ظهور صيغة الأمر في الوجوب وظهور ( كلّ ) في عموم ( أكرم كلَّ عالم ) وبين ( لا يجب إكرام زيد العالم ) ولذلك يكون رفع اليد عن أحدهما كافيا في رفع التعارض ، وانما يتعين التخصيص عرفا لنكات ترجع إلى تشخيص القرينية بين الدليلين على ما حققناه مبسوطاً في محله من أبحاث تعارض الأدلة.
وامّا تطبيق الضابط على الجملتين الشرطيتين فكأنه يفترض انَّ التعارض بين مفهوم كل منهما ومنطوق الآخر فلا بدّ من ملاحظة النسبة بينهما ولا يجوز علاج التعارض بالتصرف في ظهور ثالث ليس بمعارض وهو ظهور منطوق الأول بحمله على انه جزء العلّة المكمل للشرط في منطوق الثاني.
إلاَّ انَّ هذا التطبيق غير تام إذ يرد عليه :
أولاً ـ ما تقدم من سريان التعارض الواقع أولا بين مفهوم كل منهما ومنطوق الاخر إلى منطوق الأول أيضا ، لأنَّ حمل أحد الشرطين على انه جزء العلّة يستلزم حمل الشرط في المنطوق الاخر على ذلك أيضا للتلازم بينهما في الجزئية والتمامية على ما تقدم ، فليس الظهور الثالث خارجا عن المعارضة.