بلحاظ روح الحكم وهو الحبّ والبغض يلزم دائماً التخيير الشرعي من التخيير العقلي فهذا البيان الثاني تام في إثبات الامتناع.
هذا كله في التغاير بين متعلق الأمر والنهي بنحو الإطلاق والتقييد.
وامّا التغاير بينهما بنحو تعدد العنوان من قبيل ( صلِّ ) و( لا تغصب ) فهنا يوجد دعويان متقابلان متطرفان ، دعوى تقول بأنَّه يكفي في رفع غائلة التضاد بينهما مجرّد تعدد الوجود الذهني الّذي هو المعروض بالذات للحكم ولو اتّحد المعروض بالعرض لهما ، ولازم هذه الدعوى انَّه لو أوجدنا ماهية واحدة في الذهن بوجودين مرتين ـ كما إِذا تصوّرنا الصلاة مرتين ـ أمكن أَنْ يتعلّق بأحدهما الحبّ وبالآخر البغض لأنَّ كل منهما وجود غير وجود الآخر وإِنْ اتحدا ماهية فعروض الضدين عليهما نظير عروض أحد الضدين على زيد والآخر على عمر اللذان هما وجودان خارجيان لماهية واحدة.
ودعوى أخرى : بأنَّ الغائلة لا ترتفع إِلاّ بتعدد الوجود الخارجي للمتعلقين لأنَّ الأحكام وإِنْ كانت متعلقة بالوجود الذهني إِلاّ انَّها متعلقة بها بما هي قنطرة إلى الخارج فلا بدَّ من تعدد الوجود الخارجي كي يرتفع محذور التضاد.
والدعوى الأولى كما أشرنا تتوقّف تماميّتها على إثبات انَّ الأحكام لا تعرض على الوجود الخارجي وانّما تعرض على الوجود الذهني.
وهذه النقطة يمكن البرهنة عليها بعدة تقريبات :
التقريب الأول : انَّه لو كانت الأحكام متعلقة وعارضة على الوجود الخارجي فما ذا يقال عن الحكم الّذي لم يمتثل ولم يتحقق بعد شيء من مصاديقه في الخارج ، كما لو عصى المكلّفون ولم يأتوا بشيء من الصلوات خارجاً ، مع وضوح انحفاظ الأمر
__________________
في الحمام ) ولعل وجهه ان إيجاب الطبيعي مع تحريم فرد من أَفراده يؤدّي بحسب عالم النّفس واللحاظ الّذي هو عالم الحكم إلى إمكان اجتماعهما في مورد واحد مع انّ الإرادة والكراهة أو الحبّ والبغض يستحيل اجتماعهما في موضوع واحد. فالحاصل التضاد بين الإرادة والكراهة وامتناع اجتماعهما في مورد واحد يستدعي زائداً على اشتراط تغاير متعلقيهما بالذات أَنْ لا يكون بحسب عالم اللحاظ ومن منظور الملاحظ مما يمكن أَن يتطابقا في الخارج على مورد واحد وإِلاّ كان من زاوية نظر الملاحظ من اجتماع الضدّين في مورد واحد وهو تهافت وهذا بحسب الحقيقة من شئون مرآتية العناوين وحكايتها عن الخارج فلا بدّ وأَن يتقيّد متعلّق الأَمر بغير الفرد المحرم. وما ذكر من انَّ الجامع بنحو صرف الوجود غير الفرد انَّما هو بلحاظ عالم المفاهيم والتحليل الذهني لا عالم تعلق الأَمر والإرادة الّذي هو عالم محكي تلك المفاهيم في الخارج تماماً كالعناوين الانتزاعية الذهنية التي سوف يأتي بيان هذا المحذور فيها فتدبّر.