والبحث تارة في أصل وجوب الفحص وأخرى في مقداره ؛
أمَّا المقام الأول ـ فقد استدل على وجوب الفحص بمعنى عدم حجية العام قبل الفحص بوجوه.
الوجه الأول ـ ما استدلّ به المحقق العراقي ( قده ) (١) والسيد الأستاذ من التمسك بأخبار وجوب التعلم والتفقه في الدين
وهذا نظير الاستدلال الواقع بهذه الأخبار على وجوب الفحص قبل الرجوع إلى الأصول العملية والمؤمنة.
ولكن الصحيح عدم صحة الاستدلال المذكور ، فانَّ هذه الروايات على طوائف ثلاث :
منها ـ ما دلَّ على لزوم التفقه في الدين وتعلم أحكام الشرع المبين (٢) ومن الواضح انَّ هذا اللسان لا يدل على وجوب الفحص بمعنى عدم حجية العام قبله بل انما يدل على وجوب الفحص بعد الفراغ عن عدم حجية العام قبل الفحص وإِلاَّ كان الأخذ بالعامّ بنفسه تعلماً للدين وتفقها إذ لا يراد من التعلم والتفقه تحصيل العلم الوجداني بواقع الحكم الشرعي الإلهي بحيث يشترط فيه أَنْ يكون الدليل قطعياً سنداً ودلالة وجهة ، وانما المقصود انه لا يمكن للمكلف أَنْ يجلس في بيته ويترك تعلم الأحكام الشرعية بطرقها المتعارفة العقلائية والتي من أهمها التعويل على الظهورات والعمومات فإثبات وجوب الفحص بالمعنى المطلوب في المقام بهذه الأخبار دوري.
ومنها ـ ما ورد بلسان الذم واللوم على ترك السؤال كما ورد فيمن غسل مجدوراً اصابته جنابة فكزَّ فمات قتلوه قتلهم الله الا سألوا إلا ييمّموه (٣).
وهذا اللسان أيضاً حال اللسان السابق لوضوح عدم صدق عدم السؤال فيما لو فرض حجية العام في نفسه فلا يمكن أَنْ يكون دليلاً على عدم حجيته.
__________________
(١) مقالات الأصول ، ج ١ ، ص ١٥٤.
(٢) الكافي ، ج ١ ، ص ٣١.
(٣) الكافي ، ج ١ ، ص ٤٠