وثالثة : تفسر على أساس احتمال انَّ عدم الفحص باعتبار انَّ كل راو خوطب بالعامّ يكون هو القدر المتيقن منه على كل حال أي سواءً كان العام مخصصاً واقعاً أم لا ، إِلاَّ انَّ هذا الاحتمال يدفعه انَّ هؤلاء الرّواة لم يكونوا يقتصرون في سماع الأحاديث لعملهم فحسب بل كانوا يفتون بمضمون الحديث للآخرين بل كثيراً ما كانوا ينقلون أحاديث وأحكاماً قد لا تتعلق بهم ولا تدخل في دائرة ابتلائهم الشرعي.
ورابعة : تفسر على أساس احتمال ثبوت حكم العام في حقهم ولو كحكم ظاهري ولظروف التقية وإِنْ كان الحكم الواقعي مخصصاً ، فانَّ مصلحة الظاهر ربما تكون ثابتة حتى في الإظهار والإفتاء لا العمل فحسب (١) كما يؤيد ذلك روايات الأخذ بالأحاديث على ما شرحناه في تعارض الأدلة.
وامّا المقام الثاني ـ أعني البحث عن مقدار الفحص اللازم ، فاللازم هو الفحص بمقدار تنتفي به المعرضية للتخصيص كما ذكره صاحب الكفاية ، هذا إذا كان مدرك لزوم الفحص الوجه الثالث واما إذا كان المدرك العلم الإجمالي بالتخصيص فيما وصل بأيدينا من الأحاديث فلا بد من الفحص عن المخصص فيها والّذي به أيضاً تنتفي المعرضية عادة.
وقد أفاد المحقق النائيني ( قده ) بأنَّ هذا البحث ينحل إلى نزاعين نزاع عقلي واخر لفظي.
__________________
(١) هذا بعيد في حق جملة من الرّواة الذين قد استودع الأئمة علم الحلال والحرام عندهم كزرارة ومحمد بن مسلم.
ثم انَّ وجدانية حجية العام بعد الفحص عند العقلاء رغم بقاء احتمال المخصص الّذي كان العام في معرضه غير واضحة ، فانَّ هذا يعني انَّ حكم العقلاء بحجية العام كأنه أعم من كونه بملاك كاشفية العموم وصلاحيته للإدانة أو كونه بملاك الوظيفة العملية والعذر الناشئ من عدم إمكان الوصول إلى المخصص ، وهذا بعيد بل الوجدان قاضي بأنَّ المعرضية إذا ثبتت فالعام يسقط عن الحجية حتى بعد الفحص فلا بدَّ من نفي هذه المعرضية بالقرائن والشواهد ، كما انَّ سيرة المتشرعة أيضاً غير واضحة الشمول لذلك من دون نفي المعرضية بلحاظ مجموع القرائن والشواهد والفحوص.