الملاك في المجعول لا في الجعل فلا يعقل انَّ المولى يحرم شيئاً من أول الأمر ثم يوجبه بعد الابتلاء به فانَّ المولى من أول الأمر امّا ان يجد في هذا الفعل الواحد مصلحة غالبة أو يجد فيه مفسدة ، فعلى التقدير الأول لا معنى لجعل التحريم وعلى الثاني لا معنى لجعل الإيجاب.
والجواب ـ إِنَّه يرى فيه مفسدة ومصلحة غالبة مشروطاً بالدخول حيث انَّ الدخول من شرائط الاتصاف كما لا يخفى. ولكن لا في مركز واحدٍ بل في مركزين ، لأنَّ للخروج عن الدار المغصوبة بابين للعدم ، عدمه بعدم الدخول وعدمه بعد الدخول المستلزم للبقاء في الدار المغصوبة.
والمولى يرى انَّ مفسدة الغصب تقتضي فتح أحد هذين البابين ـ الجامع بينهما لكي ينعدم المبغوض بأحدهما ـ وهذا المقتضي يعين فتح باب العدم الأول أي عدم الخروج بعدم الدخول لتمامية المقتضي فيه وعدم المانع وهو معنى تحريم الخروج قبل الدخول ، ولا تزاحمه مصلحة الخروج بعد الدخول إذ لا مصلحة في غلق هذا الباب وانما المصلحة في غلق الباب الثاني لعدم الخروج الّذي يساوق البقاء في الغصب ، وباعتبار انها مصلحة غالبة على مفسدة الخروج يأمر المولى بغلقه لا محالة.
وهو معنى إيجاب الخروج على تقدير الدخول (١).
__________________
(١) ولا يقاس هذا بالأمر بشيء قبل وقته ثم إلغاؤه حينه فانّه هناك قد الغى الحكم من قبل المولى نفسه فإذا كان المولى ممن لا يعقل في حقه البداء والجهل لم يكن يعقل منه ذلك بخلاف المقام الّذي يكون سقوط النهي عن التصرف الخروجيّ من قبل المكلف بالتعجيز والدخول عصياناً لأنه يضطر حينئذ إلى هذا المقدار من التصرف في الغصب بالمكث أو الخروج على كل حال فهو يفوت على المولى اجتناب المفسدة الموجودة في هذا الجامع بالدخول في الغصب ، وهذا يعني انَّ النهي عن الخروج الثابت قبل الدخول يستوفي فاعليته المولوية في صرف المكلف عنه بصرفه عن الدخول ولا ينافيه وجوب الخروج مشروطاً بالدخول سواءً كان إيجاباً بملاك تعيين أخف الضررين أو بملاك المقدمية لترك حرام أهم أو بملاك نفسي فيه كما إذا انطبق عليه عنوان واجب كذلك ، لأنَّ هذا الإيجاب على كل حال مشروط بالدخول بنحو شرط الوجوب والاتصاف ففاعليته ومحركيته لا تقتضي تحقيق الشرط فلا تنافي فاعلية الحرمة المطلقة والتي تدعو إلى اجتناب مفسدة الخروج بترك الدخول الّذي يكون فيه ارتفاع لشرط المصلحة فلا يكون قد فوت المصلحة ولا وقع في المفسدة.
وهذا أمر واقع كثيراً عرفاً كمن يبغض شرب الدواء في نفسه ولكنه على تقدير المرض يحب شربه ولو لدفع ألم المرض وأثر كرهه للدواء التجنب عن الوقوع في المرض وهو معنى محركية كرهه للدواء.
قد يقال : كيف يعقل مبغوضية أو حرمة فعل لو حققه المكلف وقع محبوباً وواجباً إذ لو كان فرض وقوعه هو فرض عدم البغض والحرمة كما في المقام استحال أَنْ يتعلق به بغض أو حرمة.