وهكذا يتبرهن انه لا محذور ثبوتي في الجمع بين تحريم الخروج قبل الدخول وإيجابه بعده ، كما ذهب إليه صاحب الفصول ، بل هو المتعين بناء على مقدمية الخروج لواجب أهم ، كما إذا قبلنا الصغرى والكبرى في الجهة السابقة أو افترضنا انَّ الخروج وقع مقدمة صدفة لواجب أهم كما لو توقف إنقاذ الغريق على خروجه من الأرض المغصوبة التي دخلها بسوء اختياره مع وجود أرض مباحة فتأمل جيداً.
وامّا المشكلة الثانية ـ أعني المنافاة بين حرمة الخروج ووجوب الكون خارج الدار أو ترك الغصب في الآن الثاني فهذه المنافاة يمكن أَنْ تقرب بوجوه.
الوجه الأول ـ انَّ حرمة الخروج إذا تقدم على وجوب الخروج الغيري فهذا الأخير معلول لوجوب ذي المقدمة النفسيّ ، والتفكيك بين العلّة والمعلول غير ممكن فتسري المنافاة إلى وجوب ذي المقدمة.
والجواب : بما ذكرناه سابقا من انَّ الخروج وإِنْ كان مقدمة ولكنه لا يتصف بالوجوب الغيري في المقام ، ولو فرض ترشح الوجوب عليه يلتزم بسقوط الحرمة بعد الدخول كما شرحناه في دفع المشكلة الأولى.
الوجه الثاني ـ انَّ إيجاب ذي المقدمة غير معقول لاشتراط مقدوريته عقلاً وشرعاً ، أي أَنْ لا يكون ممنوعاً عنه أو عن مقدمته المنحصرة شرعاً ، وفي المقام إذا فرض حرمة الخروج فكيف يمكن إيجاب ما يترتب عليه؟.
بل هذا الوجه يجري حتى لو أنكرنا مقدمية الخروج ، فانه لو لم يكن مقدمة فعلى كل حال ملازم مع ذي المقدمة ولا يعقل الأمر بشيء والنهي عن ملازمه.
والجواب ـ أولاً ـ انَّ هذا الإيجاب من قبيل إيجاب ذي المقدمة على تقدير عصيان مقدمته المحرمة الأهم بنحو الترتب والّذي لا ينافي حرمة المقدمة ، وبعبارة أخرى :
اللازم عقلا في صحة الأمر بشيء أَنْ يكون المكلف قادراً عليه على تقدير الانقياد وفي
__________________
فانه يقال : إِن كان ذلك من جهة التضاد بين الحب والبغض والوجوب والحرمة فقد عرفت انَّ المستحيل اجتماعهما في زمان واحد أي لا بدَّ وأَنْ يكون متعلق البغض والحرمة مبغوضاً حين فعلية الحب والحرمة وهذا حاصل في المقام إذ قبل الدخول يكون الخروج مطلقاً أي حتى الخروج المقيد بالدخول مبغوضا ليس غير لأنَّ تحقق الدخول شرط في الاتصاف بالمحبوبية ، وإِنْ كان ذلك من جهة عدم الفائدة وعدم المحركية فقد عرفت انَّ النهي لا بدَّ وأَنْ يحرك نحو عدم تحقق المبغوض حين هو مبغوض أي قبل الدخول وبهذا تحفظ المصلحة برفع شرط الاتصاف بها وتجنب المفسدة.