فالحاصل : المقدار المعلوم والمبين في الشبهة الحكمية يعلم بانطباقه على كل منهما قهرا وهذا بخلاف المقدار المعلوم في الشبهة الموضوعية وهو إكرام العالم فانه لا يعلم بانطباقه على أحد الطرفين لو اقتصر عليه ، فلو كنا نقتصر على صناعة قاعدة قبح العقاب بلا بيان من دون تجاوز أو تقليص لها كان لا بد من التفصيل المذكور (١).
وبالتعميق والتدقيق يظهر ان فذلكة هذا التفصيل ليست قائمة بالشبهة الحكمية والموضوعية على الإطلاق بل قائمة في أن يكون العلم الإجمالي ناشئا من التردد في قيد قد علم تقيد الواجب به وأخذه تحت الأمر ، فانه حينئذ يكون ذلك التقيد داخلا في العهدة وتكون الذّمّة مشتغلة به يقينا فلا بد من الخروج عنه كذلك ، وهذا يكون في الشبهة الموضوعية كثيرا ولا يكون في الشبهة الحكمية ، إلا ان الشبهة الموضوعية أيضا قد تكون كالشبهة الحكمية لا يكون التردد فيها إلا في أصل الوجوب لا قيد الواجب ، كما إذا كان الموضوع المشتبه شرطا للتكليف أو للمكلف لا للمكلف به كما إذا ثبت وجوب الصلاة ركعتين عند قدوم الحاج ووجوب التصدق بدرهم عند قدوم الزوار وعلم إجمالا بقدوم أحدهما فانه يعلم حينئذ بوجوب الصلاة أو الصدقة وهو كالعلم بوجوب الظهر أو الجمعة المقدار المعلوم منه وهو أحدهما يعلم بانطباقه قهرا على أحدهما فلا يستدعي الشغل اليقيني به أكثر من تحقيق أحدهما.
ودعوى : إمكان تصوير عنوان معلوم لا يحرز انطباقه في الشبهات الحكمية أيضا من قبيل عنوان ما دلت عليه رواية زرارة أو الصلاة التي أمر بها الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم.
مدفوعة : بان مثل هذه العناوين انتزاعية ليست متعلق الأمر لكي يكون الاشتغال بها.
هذا كله في توضيح المسلك الثالث.
واما المسلك الثاني وهو ما جاء في تقرير أجود التقريرات من ان العلم الإجمالي انما يؤثر في التنجيز ووجوب الموافقة بتوسط تساقط الأصول بالمباشرة فينحل إلى دعويين أيضا.
__________________
(١) لا إشكال في ان البحث ليس عن تحديد المدلول اللغوي أو العرفي للبيان في قاعدة قبح العقاب وانما المقصود تحديد ما هو موضوع حكم العقل بقبح العقاب وتحليله ثبوتا فنقول : لا ينبغي الإشكال في ان هناك ثلاث مراتب متدرجة لارتباط الذهن.