ونقصد بها ما هو أعمّ من السلوك الخارجي فهي تشمل أيضا المرتكزات العقلائيّة وإِن لم يصدر منهم بالفعل سلوك خارجي على طبقها لعدم تحقق موضوعها بعد والعنوان الجامع المواقف العقلائيّة سواءً تجسّدت في سلوك خارجي أم لا. كما انَّ مرادنا من السيرة هنا ما يعمّ السيرة المتشرعيّة والسيرة العقلائيّة بالمعنى الأخصّ المقابل لها.
والكلام عن حجيتها يقع في جهات :
الجهة الأُولى ـ انَّ السيرة العقلائية يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول ـ السيرة العقلائيّة التي تنقح موضوع الحكم الشرعي ولا تشرع الحكم وانَّما يثبت الحكم بمقتضى إطلاق دليله من كتاب أو سنّة أو غيرها.
وتنقيح موضوع الحكم الشرعي بالسيرة العقلائية يكون بأحد نحوين :
١ ـ أن تكون السيرة العقلائيّة بنفسها منقحة ثبوتاً لفرد حقيقي من الموضوع كما إِذا لاحظنا دليل وجوب إمساك الزوجة بمعروف أو تسريحها بإحسان ، الّذي دلّ على وجوب النفقة تحت عنوان الإمساك بمعروف فانَّ المعروف من العرف وهو الشائع والمستساغ. فإذا اقتضت السيرة والتعارف على أن تكون نفقة الزوجة في هذا الوقت مثلاً بنحو أتمّ وأكمل ممّا كان معروفاً بالنسبة لها في غابر السنين بحيث خرج ذلك الحدّ عن كونه معروفاً ومستساغاً نتيجة الاختلاف في الظروف الفكريّة أو الاقتصاديّة أو الاجتماعية فسوف يتوسّع صدق عنوان النفقة بمعروف عمّا كان عليه سابقاً فتجب هذه المرتبة منها ولا تكفي المراتب التي كانت كافية فيما سبق ، وهذا بحسب الحقيقة من تدخل السيرة في تكوين موضوع الحكم الشرعي ثبوتاً توسعة أو تضييقاً.
٢ ـ أن تتدخل السيرة في تنقيح الموضوع إثباتاً وكشفاً لا ثبوتاً كما كان في النحو الأول. كما إِذا دلّ دليل على أن المؤمنين عند شروطهم واكتشفنا من تباني العقلاء وسيرتهم على خيار الغبن انَّهم لا يرضون في البيع والمعاوضة بفوات المالية وانَّما يرفعون