وهذا هو الركن الثاني في تتميم دلالة السيرة وهذا ما تختلف صيغته في السيرة العقلائية عنها في السيرة المتشرعية ذلك انَّ أصحاب الأئمة عليهمالسلام المعاصرين معهم لهم حيثيّتان حيثيّة كونهم عقلاء تتحكّم فيهم أحكامهم ومواقفهم وحيثيّة كونهم متشرعة يطبقون أحكام الشريعة المقدّسة فيما لا ربط له بالعقلاء ومواقفهم كما إِذا انعقدت سيرتهم مثلاً على الجهر في صلاة ظهر يوم الجمعة ـ وعلى هذا الأساس تكون هناك سيرتان لهم سيرتهم بما هم متشرّعة وسيرتهم في القضايا التي للعقلاء موقف فيها وملاك كاشفيّة كلّ من السيرتين عن قبول الشارع لمضمون تلك السيرة يختلف عن الآخر.
فالسيرة المتشرعيّة دلالتها على قبول الشارع لمضمونها تشبه دلالة البرهان الإنِّي بتوضيح : انَّنا نتكلّم عن المتشرعة المعاصرين لعهد الأئمة عليهمالسلام الذين أُتيح لهم تلقّي الأحكام والمعارف الشرعية عنهم بطريق الحسّ أو القريب من الحسّ وذلك بالسؤال عنهم ـ وهم جلّ الأصحاب المعاصرين لهم والناقلين لآثارهم وامَّا فقهاء عصر الغيبة فانَّ تطابق آرائهم وفتاواهم على شيء يكون إجماعاً في الفتوى القائمة على أساس الحدس لا الحسّ وهذا ما سوف يأتي الحديث عن حجيّته وكاشفيّته في فصل قادم ـ ومن الواضح انَّ تطابق آراء الأصحاب والمتشرعة في عصر من هذا القبيل لا محالة يكشف عن تلقيهم ذلك الحكم من الشارع بمعنى استناد موقفهم العملي إِليه لأنَّ احتمال استناده إلى نكات عقلائية غير موجود بحسب الفرض إِذ المفروض انَّ السيرة انعقدت في مسألة شرعيّة بحتة كالجهر في الصلاة فلو فرض انَّ سلوكهم المذكور ممّا لا يرضى به الشارع وغير مقبول لديه بل غير مستند إِليه فهذا معناه افتراض الغفلة الحسيّة في عدد كبير من الناس. امَّا بالغفلة عن أصل الفحص والسؤال أو عن الفحص التام وهو منفي بحساب الاحتمالات فانَّ كلّ واحد وإِنْ كان معقولاً في حقّه ذلك إِلاَّ أنَّ غفلة الجميع في قضية حسيّة منفي بحسب قوانين حساب الاحتمالات ومنطق الاستقراء ، بل كيف تطابقت الغفلات على نتيجة واحدة متّفق عليها فانَّ هذا أيضا بعيد بنفس الحساب ومن هنا كانت هذه السيرة أقوى من إجماع أهل الرّأي