المتشابه ما ذا يراد به في الآية الكريمة ، التشابه والإجمال في المفهوم والمدلول الاستعمالي للفظ أو التشابه في المصداق بمعنى عدم معروفية المصداق مع وضوح المدلول المستعمل فيه اللفظ في نفسه؟ والتمسّك بالآية استدلالاً وجواباً مبنيّ على إرادة التشابه المفهومي إِلاّ أنَّ هذا الافتراض في نفسه بعيد لأمرين :
١ ـ تصريح القرآن نفسه بأنَّ آياته انَّما نزلت بياناً وتبياناً وهدىً ونوراً بل بلسان عربيّ مبين ، وهذا لا ينسجم مع فرض التشابه المفهومي والإجمال.
٢ ـ وجود قرائن في نفس الآية تنفي إرادة هذه المعنى ، وذلك قرينتان :
إحداهما ـ التعبير ( الاتباع ) في قوله تعالى ( فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ ) ، فانَّ الاتباع لا معنى له إِذا أُريد المتشابه المفهومي إذ ذلك فرع وجود مدلول ظاهر يتعيّن فيه اللفظ ومع التشابه المفهومي لا مدلول ليتبع ، وهذا بخلاف ما لو أُريد التشابه المصداقي بمعنى انَّهم يتّبعون الآيات التي مصاديقها الخارجية متشابهة لا تناسب مع المصداق الواقعي الغيبي الّذي ينطبق عليه مفهوم الآية ، فمثلاً كلمة الصراط في اهدنا الصراط المستقيم أو العرش والكرسي في الآيات الأُخرى التي مدلولها اللغوي واضح لا تشابه فيه إِلاّ انَّ مصاديقه الخارجية سنخ مصاديق لا تنسجم أَنْ تكون هي المقصودة في هذه الآيات فمن في قلبه زيغ يتبع مثل هذه الآيات ليطبقها على مصاديقها الخارجية المتشابهة ـ وهذا التطبيق عبر عنه بالتأويل من الأول كما في تأويل الرؤيا وتطبيقه على مصداقه الواقعي ـ ابتغاء الفتنة وتشويش العقائد والأفكار.
الثانية ـ كلمة التأويل في قوله تعالى ( ابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ ) فانَّ المتشابه لو أُريد به المتشابه المفهومي فيكون معنى التأويل حمله على خلاف معناه ومفهومه ، ومن الواضح انَّ هذا غير صادق إِلاّ في حقّ الظاهر لا المتشابه الّذي يتساوى المعنيان فيه. وهذا بخلاف ما لو أُريد من التشابه المصداقي ويكون معنى التأويل الجري والتطبيق على المصاديق.
والحاصل ظاهر الآية إرادة التشابه المصداقي بمعنى أَنَّ هناك أُناساً في قلوبهم زيغ فيتبعون الآيات التي مصاديق مداليلها المفهومية في الخارج لا تنسجم مع واقع مصاديقها ، لأنَّ هذه من عالم الشهود والمادة وتلك من عالم الغيب فيطبقونها على المصاديق الخارجية الحسية باعتبار عدم معروفية تلك المصاديق الغيبية وعجز الذهن