الجهة الخامسة ـ في تشخيص انَّ حجية أصالة الظهور هل يكون موضوعها الظهور الذاتي أو الموضوعي ، وهذا بحث لم يطرحه المحقِّقون وانَّما طرحوا مسألة أُخرى لم يكن جديراً بالبحث المستقل وهي انَّ أصالة الحقيقة هل تكون معتبرة من باب التعبد أو من باب أصالة الظهور ، أي هل الحجة هو حمل اللفظ على معناه الحقيقي تعبداً أو حمل اللفظ على المعنى المنسبق إلى الذهن منه فعلاً ولو لم يكن معنى حقيقياً له. وفرعوا عليه انَّه في موارد احتمال قرينيّة المتصل بناءً على الأول تجري أصالة الحقيقة لإثبات المراد وامَّا بناءً على الثاني فلا تجري أصالة الظهور للشك في موضوعه بعد فرض احتمال قرينية المتصل الهادم للظهور.
وقد تقدّم انَّ ملاك الحجية ليس هو حمل اللفظ على المعنى الموضوع له في اللغة تعبداً أي بما هو موضوع له وبقطع النّظر عمّا له دخل في تكوين المدلول الفعلي للكلام ، بل الصحيح انَّ الحجيّة موضوعها المعنى الظاهر لمجموع الكلام بما يكتنفه من قرائن متصلة ، والوضع أحد الأمور الملحوظة ضمناً في مقام الدلالة مع القرائن والملابسات الأخرى وهذا واضح.
إِلاّ انَّ هناك كما أشرنا بحثاً آخراً جديراً بالذكر ، هو انَّ موضوع أصالة الظهور هل هو الظهور الذاتي أو الموضوعي. والمراد بالظهور الذاتي الظهور الشخصي الّذي ينسبق إلى ذهن كلّ شخص شخص ، وبالظهور الموضوعي الظهور النوعيّ الّذي يشترك في فهمه أبناء العرف والمحاورة الذين تمت عرفيتهم ، وهما قد يختلفان لأنَّ الشخص قد يتأثر بظروفه وملابساته وسنخ ثقافته أو مهنته أو غير ذلك فيحصل في ذهنه أنس مخصوص بمعنى مخصوص لا يفهمه العرف العام عن اللفظ.
ومن هنا يعلم انَّ الظهور الذاتي الشخصي نسبي مقام ثبوته عين مقام إثباته ولهذا قد يختلف من شخص إلى آخر ، وامَّا الظهور الموضوعي فهو حقيقة مطلقة ثابتة مقام ثبوته غير مقام إثباته لأنَّه عبارة عن ظهور اللفظ المشترك عند أهل العرف وأبناء اللغة بموجب القوانين الثابتة عندهم للمحاورة وهي قوانين ثابتة متعيّنة ، وإِنْ شئت عبرت