ولا ينبغي الإشكال في انعقاد السيرة على هذا الأصل ولها مظهران أحدهما عقلائي ، والآخر متشرعي ، والمظهر العقلائي يمكن تحصيله في مثل ترتيب العقلاء آثار الوقف والوصية ونحوهما على النصوص والوثائق القديمة في الأوقاف والوصايا طبق ما يفهمه المتولي في عصره ولو كان بعيداً عن عصر الوقف. والمظهر المتشرعي يمكن تحصيله من ملاحظة انَّ أصحاب الأئمة عليهمالسلام كانوا يعملون بالنصوص الأوليّة من القرآن والسنة النبوية الشريفة وفق ما يستظهرون منه في عرفهم وزمانهم كما كان يصنع أسلافهم مع انَّه كان يفصلهم عنهم زمان يقارب ثلاثة قرون وقد كانت فترة مليئة بالحوادث والمتغيرات.
ونكتة هذه السيرة وملاكها بحسب الحقيقة ندرة وقوع النقل والتغيير وبطئه بحيث انَّ كلّ إنسان عرفي بحسب خبرته غالباً لا يرى تغييراً محسوساً في اللغة ، لأنَّ عمر اللغة أطول من عمر كلّ فرد ، فأدّى ذلك إلى انَّ كلّ فرد يرى انَّ التغير حادثة على خلاف الطبع والعادة. وحينئذ امَّا أَنْ يفترض انَّ الأصحاب قد التفتوا إلى احتمال النقل والتغيير في الظهورات السابقة على زمانهم صدوراً ومع ذلك أجروا أصالة الظهور أو انَّهم غفلوا عن هذا الاحتمال بالمرة وعملوا بما يفهمونه من الظهورات ، فعلى الأول يكون بنفسه دليلاً على حجية أصالة الثبات شرعاً ، وعلى الثاني فنفس الغفلة في مثل هذا الموضوع تعرضهم لتفويت أغراض الشارع لو لم تكن أصالة الثبات حجة فسكوت المعصوم عليهالسلام وعدم تصديه لإلفاتهم دليل على إمضاء هذه الطريقة وكفاية الظهور الّذي يفهمه الإنسان في زمانه في تشخيص الظهور الموضوعي المعاصر لصدور الكلام.
هذا ولكن أصالة عدم النقل لا تجري في موردين :
الأول ـ ما إذا علم بالنقل وشك في التقدّم والتأخر ، والسبب عدم انعقاد السيرة على ذلك لأنَّ العقلاء انَّما يبنون على أصالة الثبات لاستبعاد وقوع تغير في اللغة وامَّا إذا فرض وقوع هذا الأمر البعيد فلا فرق بعد ذلك في وقوعه يوم السبت أو الأحد مثلاً.
الثاني ـ ما إذا كان الشك في مؤثرية الموجود في النقل ، كما إذا شاع استعمال لفظ الصلاة مثلاً في المعنى الشرعي كثيراً نتيجة كثرة ابتلاء المتشرعة بذلك ودخول الصلاة الخاصة كعبادة في أوضاعهم وحياتهم الاجتماعية فاحتمل انَّ هذا الشيوع بلغ مرتبة