فتدلّ على حجية الرّأي والفقه والفتوى لا الشهادة والاخبار.
لا يقال ـ نثبت حجية الراوي غير المتبصر في المعنى والمتفقه في الدين بالملازمة وعدم القول بالفصل بينه وبين المتبصر.
فانَّه يقال : ليس المقصود انَّ الآية أخصّ من المدعى ، بل المقصود انَّها أجنبية عنه لأنَّها حتى في الراوي المتبصر تدلّ الآية على حجية رأيه ودرايته لا شهادته وروايته فلا معنى للتعدّي في حقّه فما ظنّك بغيره.
وهذا الاعتراض لا بأس به فانَّ الظاهر انَّ الآية غير ناظرة إلى مسألة الاخبار وحجيته بل تنظر إلى مسألة أُخرى هي لزوم وجود طائفة بين الأُمة تتحمّل مسئولية الجهاد العقائدي والفكري في سبيل الله عن طريق التفقّه في الدين وحمله إلى الأطراف والأجيال وهذه مسألة أجنبية عن حجّيّة خبر الواحد المبحوث عنها في علم الأصول.
ومن جملة الآيات التي يستدلّ بها على الحجية قوله تعالى ( الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ ) (١).
وتقريب الاستدلال بها يشبه الوجه الثالث من وجوه الاستدلال بآية النفر ، بدعوى انَّ تحريم الكتمان ووجوب الإظهار يستلزم وجوب القبول وإِلاّ كان لغواً فبدلالة الاقتضاء يثبت وجوب القبول وبمقتضى الإطلاق ثبت وجوبه حتى في صورة عدم حصول العلم من الإظهار فتثبت حجية خبر الواحد. وكون الكتمان لا يصدق مع عدم وجود مقتضٍ للاخبار كالسؤال ونحوه لا يقدح بالاستدلال إذ لو استفدنا الحجية في الاخبار المسبوق بالسؤال تثبت في مطلق الاخبار لعدم احتمال دخل خصوصية السؤال في حجية الخبر المبتنية على الكاشفية والطريقية.
وقد يورد على الاستدلال بأنَّ الكتمان هو الإخفاء الّذي يعني حجب الحقيقة عن الظهور مع توفّر مقتضيات ظهورها وهذا لا يكون إِلاّ في مورد يكون بحيث لو لم يكتم
__________________
(١) البقرة : ١٥٩.