وهكذا يتضح ان الصحيح في المنع عن جريان الأصول في تمام الأطراف وجود محذور إثباتي فيه لا ثبوتي كما تخيله المشهور.
المقام الثالث ـ في مانعية العلم الإجمالي عن جريان الأصل المؤمن في بعض أطرافه ، والكلام عن ذلك يقع في جهتين ثبوتية وإثباتية أيضا.
اما الجهة الثبوتية فالبحث فيها عن إمكان الترخيص في بعض الأطراف وعدمه ، ومرد البحث فيه عن علية العلم الإجمالي لوجوب الموافقة القطعية لكون منجزيته للواقع المعلوم بالإجمال على كل حال أو ان اقتضاؤه لذلك معلق على عدم ورود الترخيص الشرعي. وواضح انه على مسلكنا من إمكان جريان الأصل في جميع الأطراف لا مجال لهذا البحث إذ لا معنى لافتراض محذور ثبوتي في جريانها في بعض الأطراف.
واما على مسلك القائلين باستحالة جريان الأصول في جميع الأطراف فكذلك ينبغي ان نستثني من هذا البحث القائلين بان العلم الإجمالي لا يستدعي بنفسه وجوب الموافقة القطعية وانما تجب الموافقة في طول تعارض الأصول المرخصة في الأطراف وتساقطها ، فانه من الواضح على هذا المسلك إمكان جريان الترخيص بل التأمين العقلي في بعض الأطراف لو لا المعارضة وانما يتجه البحث عن ذلك بناء على المسلك القائل بان العلم الإجمالي بذاته يقتضي وجوب الموافقة القطعية وعدم التأمين العقلي في شيء من أطرافه حيث يصح حينئذ ان يبحث عن ان اقتضاءه لذلك هل يكون على نحو العلية بحيث لا يمكن الترخيص الشرعي ولو في بعض الأطراف أو انه بنحو الاقتضاء والتعليق على عدم ورود ترخيص شرعي بالخلاف. ذهب المحقق العراقي ( قده ) إلى الأول ونسب إلى المحقق النائيني في أحد تقريريه الثاني ، فوجد اتجاهان في هذا المقام.
اما اتجاه العلية الّذي ذهب إليه المحقق العراقي ( قده ) فقد حاول الاستدلال عليه :بأنا لا نحتاج إلى مزيد برهان علاوة على ما تقدم في إثبات منجزية العلم الإجمالي لوجوب الموافقة القطعية لإثبات العلية لأنا متفقون على ان العلم الإجمالي ينجز ما تعلق به وانما الاختلاف في انه تعلق بالجامع فلا ينجز الا مخالفة الجامع أم بالواقع