ومنها ـ مبنى المحقق العراقي ( قده ) من ان الحكم الظاهري جعل للطريقية والعلمية التي هي في موارد العلم الإجمالي متعلقة بالواقع لا بالجامع فانه على هذا المبنى إذا احتمل كذب البينة لا مجرد خطئها فلا علم إجمالي للبينة متعلق بالواقع ليكون جعل الحجية لها بمعنى جعل العلم بما تعلق به البينة والّذي هو الواقع بحسب الفرض ، واما مفادها فهو الجامع الّذي يمتثل بأحدهما لا محالة فجعل الطريقية بمقدار مفادها لا يقتضي أكثر من التخيير ، نعم لو علم بعدم كذب البينة وانما احتملنا خطأ البينة فقط لم يرد محذور حيث يجعل علم البينة المتعلق بالواقع بحسب الفرض علما تعبديا لنا بالواقع (١) وكذلك بناء على الطريقية على مبنى الميرزا من كفاية العلم بالجامع في تنجيز
__________________
مفادها لا أكثر فلو أريد استفادة إيجاب الاحتياط في الطرفين من دليل حجية ابتداء كان هذا فوق طاقة دليل الحجية وإن أريد استفادة إيجاب الاحتياط بمقدار أحد الطرفين بالخصوص فالمفروض ان نسبة مفاد البينة إليها على حد واحد ، وان أريد استفادة إيجاب الاحتياط والتحفظ على الغرض الإلزامي بمقدار أحدهما فقط فهذا لا يثبت أكثر من حرمة المخالفة القطعية ولزوم الإتيان بالجامع ، وان أريد انه بمعنى إبراز اهتمام المولى بتكليف إلزاميّ واحد على تقدير وجوده في هذا الطرف أو ذاك كان معناه جعل إيجاب الاحتياط في كل طرف لاحتمال مصادفة ذاك التكليف فيه فيكون نافيا بنفسه للأصل الترخيصي حتى في طرف واحد ، ولا يقاس بموارد العلم الإجمالي بالتكليف الواقعي أو الظاهري المعين فانه هناك الاحتياط في كل طرف ليس بحكم الشارع بل بحكم العقل بعد عدم ثبوت الترخيص الشرعي فيه بأحد المسلكين في منجزية العلم الإجمالي.
وينحصر الجواب على هذه الشبهة بأحد بيانين :
الأول ـ ملاحظة المدلول الالتزامي للبينة في كل طرف على تقدير طهارة الطرف الآخر فيتشكل على إجمالي بوجود نجس في البين اما واقعي أو ظاهري فيجب الاحتياط بعد تعارض الأصول كما سوف يأتي في المتن.
الثاني ـ ان يقال : بأن المستفاد من دليل الحجية بعد ان كانت البينة حجة إثبات التكليف التعييني الإجمالي ظاهرا لأنه مفاد البينة لا التكليف التخييري وحينئذ مهما تكون صياغة الحكم الظاهري فسوف يكون هناك تناقض عقلي أو عقلائي بين هذا الحكم الإلزامي المعلوم أو المجعول تخييريا متعلقا بالجامع.
ودعوى : ان الاهتمام بمقدار الجامع لا ينافي مع جريان الترخيص في كل من الطرفين بخصوصه. يدفعها ، إن الاهتمام بمقدار الجامع غير التكليف التخييري بالجامع فان الّذي لا يكون منافيا مع الترخيصيين انما هو الثاني لا الأول إذا كان اهتماما بلحاظ التكليف واقعي تعييني فتأمل جيدا.
(١) قد عرفت ان الجامع المعلوم في موارد العلم الإجمالي غير الجامع التخييري ـ مهما فسرنا حقيقة هذا الجامع على ما تقدم في بحوث القطع ـ ومفاد البينة انما هو هذا الجامع سواء كان صادقا ومطابقا للواقع أم لا ، وليس المقصود من تعلق العلم بالواقع الواقع بالعرض ليقال بأنه غير موجود في موارد كذب البينة وانما الواقع المعلوم بالذات المحفوظ حتى في موارد العلم الإجمالي غير مطابق للواقع. وعليه فكما يمكن جعل علم البينة علما تعبديا بالواقع كذلك يمكن جعل مفاد البينة الكاشف عن مثل هذا العلم علما تعبديا بالواقع ، نعم لا بد من حل الإشكال المتقدم من ان مثل هذا الحكم الظاهري كيف يتناقض مع جريان الأصل الترخيصي في الطرفين. بخصوصيتهما اما إذا حل هذا الإشكال بأحد الوجهين المتقدمين لم يكن محذور في تسمية ذلك علما تعبديا بالواقع أو حكما مماثلا.