واما الشبهة المصداقية فهي ملحقة بالقسم الأول من الشبهة المفهومية دائما أي يجري الأصل المؤمن في الطرف الداخل في محل الابتلاء بلا معارض لأن الطرف المشكوك لا يمكن التمسك فيه بدليل الأصل لأنه تمسك بالعامّ في الشبهة المصداقية.
إن قلت : ما الفرق بينه وبين القسم الثالث من الشبهة المفهومية ، فان احتمال المعارض المتصل محتمل هنا أيضا وهو يوجب الإجمال ، والحاصل ان احتمال المعارض المتصل إن كان كاحتمال القرينة المتصلة يستوجب الإجمال فهو في القسمين يوجب الإجمال ، وان لم يكن كاحتمال القرينة المتصلة يوجب الإجمال ففي القسمين كذلك فلما ذا التفصيل.
قلنا ـ ان ارتكاز المناقضة بين الترخيصين في طرفي العلم الإجمالي وبين الإلزام الواقعي المعلوم مقيد بفرض وصول الترخيصين الظاهرين إلى العرف ، وبتعبير آخر بين الترخيصين المطلق كل منهما من حيث تمامية البيان من قبل المولى على الترخيص الآخر لا المقيد بفرض عدم وصول الآخر إلى العرف بما هو عرف وعدم تمامية البيان من قبل المولى عليه. وحينئذ إذا كانت الشبهة مفهومية بالنحو الثالث فيحتمل تمامية البيان على الترخيص الآخر عند العرف بخلاف ما إذا كانت الشبهة مصداقية فانه لا يتم بيان الترخيص في الطرف المشكوك فيه للعرف بما هو عرف لأن نسبة الشبهة المصداقية إلى المولى والمكلف على حد واحد وليس البيان متكفلا لتحديدها.
اما تحقيق ان احتمال المعارض المتصل هل يكون كاحتمال القرينة بلحاظ الشبهة المصداقية أو المفهومية فيوكل بحثه إلى مجال آخر (١).
__________________
وإذا لوحظ هذا الارتكاز بالنسبة إلى دليلي أصلين غير مسانخين في الطرفين كان إجمال ارتكاز الدخول في محل الابتلاء موجبا لإجمال دليل الأصل في الطرف المشكوك دخوله في محل الابتلاء فقط وهو منفصل عن دليل الأصل في الطرف الآخر فيجري بلا معارض على كل تقدير ، وعلى كل حال لا ينبغي ربط المقام بما إذا شك في موضوع المعارض المتصل بالخطاب بنحو الشبهة المفهومية أو المصداقية كما إذا قال ( أكرم كل عالم ولا تكرم الفساق ) وشك في ان زيدا العالم فاسق أو لا بنحو الشبهة المصداقية أو المفهومية والّذي قد يفصل فيه بالعكس وان الشبهة إذا كانت مصداقية فلا يجوز التمسك بعموم ( أكرم كل عالم ) لأن إطلاقه للفاسق قد سقط بالمعارضة على كل حال فهو تمسك بالعامّ في الشبهة المصداقية ، واما إذا كانت مفهومية فقد يقال بصحة التمسك بعموم ( أكرم كل عالم ) لفاعل الصغيرة باعتبار ان المانع عن انعقاد العموم فعلية دلالة المعارض المتصل والمفروض عدمها.
(١) وقد أفاد ( ١ الشريف ) خارج البحث : ان مقتضي الطبع والظهور الحالي العقلائي في مقام المحاورة انه إذا لم يرد معنى من معاني اللفظ فهو يختار أحد أمور ثلاثة ، السكوت عن ذكره رأسا أو التكلم به مع نصب القرينة على الخلاف أو الإتيان على الأقل بما يعارض ذلك فإذا تكلم المتكلم بكلام وهو لا يريد ظاهره ومعناه ولم يتخذ أحد المواقف الثلاثة كان خارجا عن