ثم ان هذا المفاد هل هو سنخ مفاد ينفي وجوب الاحتياط لو ثبت بدليل أو يكون محكوما له؟ تشخيص ذلك مبني على ان نعرف ان المنفي بالآية الكلفة في مورد الشيء أو بسببه فان كان المعنى ان الشيء الشيء الّذي لم أوت به لا أكلف بسببه فلا يكون نافيا للاحتياط الشرعي لأن دليله يثبت الكلفة بسبب إيجاب الاحتياط وان كان المعنى ان الشيء الّذي لم يؤت لا كلفة في مورده كان منافيا لإيجاب الاحتياط الشرعي والأقرب هو ذلك كما هو المناسب مع مورد الآية.
نعم ان هذا اللسان قد يقال انه لا يشمل الشبهات الموضوعية لأن إيتاء الحكم من الشارع خاص بالحكمية. ولكن الصحيح ان المراد بالإيتاء في الآية الإتيان التكويني أو الأعم منه ومن التشريعي لا التشريعي خاصة لأن موردها المال وإيتاؤه يكون تكوينيا فالآية تدل على نفي وجوب الاحتياط في الشبهتين معا. نعم لا يبعد عدم إطلاقها للشبهة قبل الفحص لأن الإيتاء يحتمل تحققه فيه إذا كان المدرك عليه موجودا في أيدينا فان إيتاء كل شيء بحسبه.
ومنها ـ قوله سبحانه ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) (١) تقريب الاستدلال : ان المولى نفى التعذيب الا في حالة إرسال الرسول وهو وان كان بمعنى بعثة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم الا انه بعد حمله على المثالية يكون المعنى حتى نتم البيان والحجة فيستنتج ان العقاب منوط بالبيان فلا عقاب من دونه.
وقد يستشكل بان الآية تنفي فعلية العقاب لا الاستحقاق وهو أعم من المقصود.
والجواب : ان سياق الجملة وتركيبها يدل على ان المنفي ليس من شأن المتكلم لا ينبغي كما يظهر بمراجعة الأشباه والنّظائر (٢) وان شئتم قلتم : ان هذا اللسان من السنة الترخيص والإباحة ورفع المسئولية عرفا.
وقد يعترض بان المراد بالعذاب فيها العذاب الدنيوي لا الأخروي فيكون أجنبيا عن المطلوب.
والجواب : مضافا إلى عدم وجود ما يدل على تقييد العذاب فيها بالدنيوي عدا
__________________
(١) سورة الإسراء : ١٥.
(٢) قد يقال ان هذه النكتة بنفسها تكون قرينة على ان المراد عدم التعذيب قبل إتمام الحجة ولو عقلا وهذا غير البراءة الشرعية والإباحة الظاهرية ، كيف وعدم البراءة الشرعية ليس فيه ما لا يكون من شأن المولى.