إذ لو أريد به إثبات وجوب الزائد بالملازمة فهو من الأصل المثبت ، وان أريد به التأمين في حالة ترك الأقل فهو غير صحيح لأن فرض ترك الأقل هو فرض المخالفة القطعية ، ولا يصح التأمين بالأصل العملي الا عن المخالفة الاحتمالية لا القطعية كما أشرنا مرارا (١).
وهكذا يتضح ان الاستصحاب المثبت للبراءة تام الأركان ، والاستصحاب المثبت للاحتياط غير جار في نفسه.
قد يعلم بحرمة شيء مردد بين الأقل والأكثر كما إذا علم بحرمة تصوير رأس الحيوان أو تصوير كامل حجمه. وقد أفاد المحقق النائيني ( قده ) ان دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين في المحرمات حاله حال الدوران بينهما في الواجبات.
ولكن الصحيح ان حال هذا الدوران في باب الحرام يختلف عنه في باب الواجب من بعض الجهات ، نشير إلى جملة منها :
الأولى : ان وجوب الأكثر كان هو الأشد مئونة هناك واما هنا فحرمة الأكثر هي الأخف مئونة ، إذ يكفي في امتثالها ترك أي جزء ، فحرمة الأكثر في باب الحرام تناظر وجوب الأقل في باب الواجب من حيث كونه متيقنا على كل حال.
الثانية : ذكر المحقق العراقي ( قده ) ان جريان البراءة هنا أولى من جريانها في الشبهة الوجوبية لأن بعض وجوه المنع عن جريانها في جانب الوجوب لو تم هناك لا يجري هنا ، وذلك الوجه ما ذكره صاحب الفصول ( قده ) من ان وجوب الأقل متيقن على كل حال اما ضمنا أو استقلالا والشغل اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني وذلك لا يكون الا بالأكثر إذ بالأقل لا يقطع بالفراغ وسقوط التكليف. وهذا الوجه لا يتم هنا لأن المتيقن حرمته هو الأكثر ويقطع بتحقق تركه بترك جزء منه فما هو متيقن الحرمة
__________________
(١) هذا لو أريد استصحاب عدم جعل الوجوب الاستقلالي للأكثر ، واما إذا أريد إجراء الاستصحاب العدمي في وجوب الزائد لا بمعنى إجرائه في اللحاظ ليقال بأنه بما هو لحاظ لا أثر له وليس موضوعا لحكم العقل بل في الوجوب بما هو موضوع للدخول في العهدة فانه بهذا النّظر يرى هناك وجوبات متيقنة للأقل ويشك في تقييدها بوجوب جزء زائد فينفي بالاستصحاب ، ولا يعارض باستصحاب عدم وجوب الأقل بحده لأن وجوب الأقل في هذا العالم معلوم لا شك فيه.