التهافت فيما بينها حيث ان في بعضها ورد قيد في الإسلام بخلاف بعضها الآخر ، أو التهافت بينها وبين الطائفتين السابقتين ، إلاّ ان كل ذلك بلا موجب ، لأن التهافت انما يكون مع افتراض وحدة الرواية ولا دليل على وحدة القضية المنقولة بمجموع هذه الروايات المتنوعة.
الجهة الثالثة ـ في البحث عن مفردات الحديث ، وقد ورد فيه فقرتا نفي الضرر ونفي الضرار ، فلا بد من تحديد معنى كل من الضرر والضرار.
امّا الضرر فقد اختلف في معناه ، فذكر بعضهم انه النقص في المال أو النّفس أو العرض ، وذكر آخرون انه الشدة والحرج والضيق. والظاهر ان الضرر عنوان ينتزع من النقص في أحد الأمور التي ذكرت إذا كان بدرجة معتد بها بحيث توجب بحسب طبعه ضيقا وشدة ، فالتاجر الّذي يضيع منه دينار مثلا لا يصدق عليه انه تضرر كما ان مجرد الشدة والتضايق النفسيّ من دون نقص ليس ضررا ولا يشترط حصول الضيق النفسيّ بالفعل بل يكفي كونه بحسب طبعه مقتضيا لذلك ولو لم يحصل الضيق لعدم علم صاحبه به بعد ، ويقابل الضرر النّفع الّذي هو أيضا ليس مجرد الزيادة بل الزيادة الموجبة بحسب طبعه لارتياح النّفس وانبساطها (١).
ثم ان الضرر ينقسم إلى مطلق ومقيد من ناحيتين :
الأولى ـ من حيث الموضوع فقد يكون النقص ضررا مطلقا كمن يحترق داره فيتضرر ، وقد يكون النقص ضررا بالنسبة إلى الغرض الّذي كان منظورا للإنسان كالتاجر عند ما لا يربح في تجارته فانه يتضرر بالنسبة إلى غرضه من التجارة فهذا ضرر مقيد وبالإضافة إلى التاجر بما هو تاجر يستهدف الربح كالماء المطلق والماء المضاف وحديث لا ضرر لا يشمل الضرر المقيد إلاّ إذا كانت تلك الحيثية عامة عرفا بحيث تعتبر ذلك النقص ضررا مطلقا بحسب الأنظار العرفية والعقلائية.
__________________
(١) وقد يقال ان الضرر يقابل المنفعة لا النّفع لأنه اسم لا مصدر والنّفع مصدر.
والصحيح : ان المنفعة تقابلها المضرة لا الضرر فانه مصدر كالنفع ، والمصدر قد يستعمل في اسم المصدر أيضا.