هناك في بادئ الأمر نحو تهافت بين موقفين للأصحاب في تطبيق القاعدة ، فانهم في باب خيار الغبن ونحوه قالوا بعدم الخيار فيما إذا كان المغبون عالما بالغبن من أول الأمر لأنه أقدم بنفسه على الضرر ، بينما ذهبوا في مسألة من أقدم على الجناية متعمدا وهو مريض لا يتمكن من الغسل بسقوط وجوب الغسل عليه لكونه ضرريا والانتقال إلى التيمم مع انه أيضا قد أقدم على الضرر.
وقد تصدى المحقق النائيني ( قده ) على ما في تقريرات بحثه لحل هذا الإشكال ، وعبائر التقرير لا تخلو من تشويش وفيها محتملات عديدة ، وفيما يلي نصوغ مطلب هذا المحقق بتقريبات ثلاثة :
الأول ـ ان لا ضرر انما ينفي الحكم المتولد منه الضرر باعتبار مسببا توليديا له على ما تقدم في شرح الحديث ، وهذا انما يكون فيما إذا كانت إرادة المكلف مقهورة للحكم الشرعي كما في الأمر بالغسل فانه بعد فعلية الجنابة تكون إرادة المكلف مقهورة للوجوب ، وأمّا من يقدم على الغبن فالحكم بصحة المعاملة لا يقهر إرادة المكلف على الإقدام على الغبن كي يكون الضرر منتسبا إليه لا إلى إرادة المكلف.
وفيه : انه خلط بين الجعل والمجعول ، فانه إذا لوحظ جعل الحكم بوجوب الطهور وصحة المعاملة الثابتان قبل تحقيق موضوعهما خارجا فلا إرادة مقهورة لهذا الحكم في الموردين ، وإن لو حظ فعلية الحكم بها بعد تحقق الموضوع فكما ان إرادة المكلف مقهورة لإيجاب الطهور على المجنب كذلك هي مقهورة لصحة المعاملة ولزوم الوفاء بها على المتعاقد.
الثاني ـ ان الضرر في باب الجنابة ضرر تكويني ثابت حتى إذا كانت جنابته عمدية ، فان ذلك لا يرفع ضرر الماء عنه وهذا بخلاف باب الغبن فان اقدامه من أول الأمر على المعاملة مع العلم بالغبن فيها معناه عدم اشتراط التساوي في القيمة فلا موضوع للحق ليكون انتفاؤه ضرريا.
وفيه : ما تقدم من إمكان تطبيق لا ضرر في الغبن بلحاظ الضرر المالي ، وهو ثابت تكوينا كالضرر في باب الجنابة.