واما البحث عن المرحلة الثانية وهو الاحتياط الشرعي فقد استدل عليه بالكتاب والسنة.
اما الكتاب فبجملة من الآيات :
منها ـ قوله تعالى ( ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ) (١) وتقريب الاستدلال انها تنهى عن تعريض الإنسان نفسه للهلكة وهذا ينطبق على الاقتحام في الشبهة البدوية لأنه في معرض الوقوع في محذور ارتكاب ما هو محظور شرعا وأي هلكة أشد من ذلك فيشمله إطلاق الآية فتثبت الحرمة ما لم تتم حجة على عدم كونه مخالفة له تعالى.
ويرد عليه : أولا ـ ان قوله تعالى هذا فيه ثلاثة احتمالات :
١ ـ ما بني الاستدلال عليه بان يكون هذا خطابا مستقلا حشر مع ما قبله وبعده.
٢ ـ ان تكون هذه الفقرة نهيا شرطيا بالنسبة إلى الأمر بالإنفاق في سبيل الله الّذي ورد قبلها فيكون تحديدا لمقدار الواجب وهو الإنفاق فلا ينبغي الإنفاق بدرجة يوجب الإفلاس والتعرض إلى الهلاك فيكون نظير قوله تعالى ( ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا ) (٢) وقوله تعالى ( ويسألونك ما ذا ينفقون قل العفو ) (٣) أي ما زاد على حاجته ، ولا يستغرب من ورود مثل هذا النهي الّذي يكاد ان يكون إرشاديا لأن المسلمين الأوائل الذين خاطبهم القرآن بهذه الخطابات بعد تربيتهم كانوا يتسابقون في مضمار الإنفاق والبذل وقد وقع تاريخيا ان المسلمين تصدقوا بكل ما يملكون ولعل هذا هو الّذي عبر عنه في ذيل الآية ( فأحسنوا ان الله يحب المحسنين ) أي اعدلوا في الإنفاق وهذا احتمال قريب من النّفس في الآية الكريمة.
٣ ـ ان تكون الجملة تكرارا سلبيا للجملة الأولى ، وهذا أيضا سياق عرفي رائج
__________________
(١) سورة البقرة : ١٩٥.
(٢) سورة الإسراء : ٢٩.
(٣) سورة البقرة : ٢١٩.