العلم غير تام ، فإنَّا بمراجعة أدلة الأمارات نجد انَّ بعضها قد أخذ في موضوعها عدم العلم كقوله تعالى ( فاسئلوا أهل الذّكر إن كنتم لا تعلمون ) (١) وأدلة الأصول العملية فيها ما لم يرد في لسانها الشك وعدم العلم كما في قاعدة اليد والسوق ، وهذا بنفسه يكشف انَّ وجه التقديم لا يمكن أَن يرجع إلى مثل هذه الخصوصية الصورية الإثباتية.
على انَّ هناك اعتراضاً لنا على أصل نظرية ورود الأمارات على الأصول يأتي في ذيل البحث عن اتجاه القرينية لأنه مشترك يرد على دعوى التقديم بملاك الورود أو الحكومة. وهكذا يتلخص انَّ تقدم الأمارات على الأصول بملاك الورود غير تام.
وامَّا الاتجاه الثاني أعني تقديم الأمارة بملاك القرينية فقد عرفت : انَّ القرينة إذا كانت شخصية فهي حكومة ، وإذا كانت نوعية فهي جمع عرفي ، فلا بدَّ من تطبيق كل منهما في المقام ليرى هل يتم شيء منهما أم لا.
امَّا التقديم بالحكومة فقد عرفت انه بحاجة إلى إثبات نظر الدليل الحاكم إلى الدليل المحكوم في مقام تفسيره امَّا نظراً تفسيراً صريحاً أو تنزيلياً أو مضمونياً ، وهذه هي الأقسام الثلاثة المتقدمة للحكومة. وبعد وضوح انه لا صراحة في أدلة الأمارة لتفسير أدلة الأصول فينحصر منشأ دعوى الحكومة بأحد القسمين الثاني أو الثالث أي الحكومة التنزيلية أو المضمونية ، وحيث انَّ القسم الثالث وهو الحكومة المضمونية يكون لها تقريب يتوقف على فهم نكات تأتي في القرينيّة النوعية فنقتصر هنا في تقريب حكومة الأمارات على القسم الثاني أعني الحكومة التنزيلية ، وسوف نعود على الحكومة المضمونية في خاتمة البحث عن القرينيّة النوعية فنقول :
يمكن ان يدعى حكومة دليل الأمارات على الأصول العملية من باب التنزيل لأنه ينزل الأمارة منزلة العلم في الأحكام والتي من جملتها ارتفاع حكم الأصل العملي ، والفروق بين هذا الوجه للتقديم والتقديم بالورود الّذي قد تعبّر عنه مدرسة المحقق النائيني ( قده ) بالحكومة أيضاً عديدة ومهمة وقد تلتبس في تعبيرات هذه المدرسة ، وفيما
__________________
(١) سورة الأنبياء الآية (٧)