لأنه يرد على ذلك ـ كما يرد على دعوى الورود أيضاً ـ انَّ دليل حجية الأمارة لو سلمت دلالتها على جعل العلمية والطريقية وانَّ لسانها لسان تنزيل ما ليس بعلم منزلة العلم فسوف يكون لسان أدلة الأصول العملية الترخيصية أيضا لسان نفي العلمية والتنزيل ، وهذا نظير ما ذكرناه في بحث حجية خبر الثقة وراد عليه أدلة النهي عن العمل بغير العلم في قبال من كان يدعي حكومة دليل جعل الخبر علما على ذلك بأنَّ دليل النهي أيضاً ينفي العلمية والحجية فلا حكومة لأحدهما على الآخر فقوله ( كل شيء حلال حتى تعرف انه حرام ) يكون بصدد نفي كل أنحاء التسجيل والتنجيز ونفي الحجية والطريقية فيما إذا لم يكن عالماً بالحرمة فيكون في عرض دليل تنزيل الأمارة منزلة العلم (١).
لا يقال : هذا الاعتراض في البابين انما يتم على الحكومة لا الورود لأن معنى رفع ما لا يعلمون على الورود رفع ما لا يراه علماً بحسب اصطلاحه ودليل حجية الخبر يجعله علماً بحسب اصطلاحه.
فانه يقال : المفروض ان الحجية معناها عند هذه المدرسة جعل العلم والطريقية ورفع ما لا يعلمون يعني عدم جعل الحجية أي عدم جعل العلمية والطريقية فلا بد وأن يكون المقصود من رفع ما لا يعلمون رفع ما لا يكون علماً حقيقياً أي عدم علمية ما لا يكون علماً حقيقياً لا علماً بحسب اعتباره وإلاّ لأصبح لغواً وان ما لا يراه علماً لا يراه علماً. ومعه يكون المدلولان في دليل الأمارة والأصل في عرض واحد ، فلا حكومة لأحدهما على الآخر.
وامَّا تقديم الأمارة على الأصول بملاك القرينية العامة كالتخصيص والتقييد
__________________
(١) يمكن دعوى الفرق بين المقام وبين أدلة النهي عن العمل بالظن من حيث ان المنظور فيها نفي اعتبار الظن فيكون مناسباً مع إرادة نفي العلمية والحجية والتنزيل فيكون في عرض مفاد دليل الحجية فيتعارضان وهذا بخلاف ألسنة أدلة الأصول فان ظاهرها نفي التبعة وإطلاق العنان وهو أعم من نفي العلمية والطريقية ، هذا مضافاً إلى ما سوف يأتي في بحث قادم من انَّ مركوزية وجود طرق وكاشفيات أخرى للشارع إجمالاً غير العلم الوجداني يمنع عن انعقاد ظهور في مثل أدلة الأصول العملية المرخصة على انها بصدد نفي أية كاشفية معتبرة أخرى. نعم هنا كلام آخر نظير ما تقدم في فرضية الورود من ان مثل الاستصحاب من الأصول العملية لما ذا لا يكون المجعول فيها تنزيل الشك منزلة العلم في الآثار فتكون الحكومة التنزيلية من الطرفين بحسب ظاهر الدليلين فيتعارضان.