المقام الثاني ـ فيما إذا كان التنافي بين الأصلين بالعرض وعلى أساس العلم الإجمالي ، وقد مضى في بحوث العلم الإجمالي انه إذا كان علماً إجماليا بالتكليف فهو يوجب التعارض والتساقط بين الأصول في الأطراف لأنه لا يمكن جريانها فيها جميعاً للزوم الترخيص في المخالفة القطعية ولا في بعضها تعييناً لأنه ترجيح بلا مرجح ولا تخييراً لأنه لا يمكن استفادته من أدلتها وقد مضى تحقيق ذلك كله في محله.
والّذي يجدر بحثه هنا انه إذا كانت الأصول في أطراف العلم الإجمالي لا تستلزم المخالفة القطعية كما إذا كان العلم الإجمالي علماً بالترخيص والطهارة وجري استصحاب النجاسة في الأطراف فقد يقال بالتعارض فيما بينها إذا كانت محرزة كالاستصحاب رغم عدم لزوم محذور الترخيص في المخالفة القطعية.
ومأخذ هذا الكلام ما ذكره الشيخ الأعظم ( قده ) من ان الاستصحابين يسقطان في المثال لمحذور إثباتي حاصله : أن أدلة الاستصحاب بحسب صدرها تدلّ على النهي عن نقض اليقين بالشك مطلقاً وهي سالبة كلية ولكنها بحسب ذيلها تدلّ على لزوم نقضه بيقين آخر ، فلو كنَّا نحن والصدر كنَّا نحكم بأنَّ اليقين بالنجاسة في كل طرف لا ينقض بالشك فيه ولكن الذيل دلّ على انه إذا كان هناك يقين آخر لزم نقض اليقين الأول به وهذه موجبة جزئية تناقض تلك السالبة الكلية إذ يتعين حينئذ جعل اليقين بالطهارة إجمالاً ناقضاً لأحد اليقينين في الطرفين فيقع التعارض بين الصدر والذيل.
وأورد على ذلك المحققون بأنا لو سلمنا التعارض بين الصدر والذيل حصل الإجمال في هذه الرواية ورجعنا إلى الروايات التي لا تشتمل على مثل هذا الذيل فتكون سليمة عن هذا الإشكال ، وان فرض عدم الإجمال وان المراد باليقين الناقض هو اليقين التفصيليّ المتعلق بنفس ما تعلق به اليقين المنقوض ـ كما هو الظاهر ـ فلا موضوع لأصل الإشكال.
ومن هنا عدل المحقق النائيني ( قده ) عن هذا البيان إلى تقريب آخر يبرز به بحسب الحقيقة محذورا ثبوتياً يمنع عن جريان الأصول التنزيلية على خلاف العلم الإجمالي