وذلك بتقريب : أن الحاكم يتعرض بمدلوله اللفظي لتحديد المراد الجدي من الدليل المحكوم ، بينما دلالة الدليل المحكوم إنما يكون بمقتضى الأصل والظهور الحالي والدلالة اللفظية أقوى وأظهر من مقتضى الأصل العقلائي.
قلنا : إن دلالة الدليل على جدية مدلوله أيضا يكون بمقتضى الأصل والظهور الحالي فيما إذا لم يكن صريحاً ، فلو لا افتراض نكتة النّظر وان حجية الظهور في الدليل المحكوم مقيدة بعدم نصب المتكلم نفسه قرينة شخصية على خلافه مما يجعل الأصل والظهور الحالي في جديد مدلول الحاكم حاكماً على حجية الظهور الحالي للدليل المحكوم ومحرزاً لموضوع ارتفاعه. أقول : لو لا هذه النكتة التي هي المصادرة التي ادعيناها لنظرية الحكومة لم يبق موجب للتقديم لأن الظهور التصديقي في كل من الحاكم والمحكوم كثيراً ما يكون بدرجة واحدة من الظهور والكاشفية وبملاك واحد.
قد عرفت أن الدليل الحاكم يشتمل على خصوصية تجعله ناظراً إلى مفاد الدليل المحكوم وقرينة شخصية على تحديد المراد النهائيّ منه. وهذه الخصوصية تكون بأساليب ثلاثة رئيسية.
١ ـ لسان التفسير ، بأن يكون أحد الدليلين مفسراً للآخر ، سواء كان ذلك بأحد أدوات التفسير البارزة. مثل أو وأعني ، أو بما يكون مستبطناً لذلك. وهذه حكومة تفسيرية.
٢ ـ لسان التنزيل ، بأن يكون أحد الدليلين منزلاً لشيء منزلة موضوع الدليل الآخر كما إذا قال ( الطّوَافُ بالبَيتِ صَلاةٌ ) فإنه يكون حينئذ ناظراً إلى مفاد الدليل المحكوم من خلال التنزيل ، إذ لو لا نظره إليه وفرض ثبوت ما رتّب من الحكم على ذلك الموضوع فيه لم يكن التنزيل معقولاً وهذه حكومة تنزيلية.