وبعد أن اتضحت نظرية الحكومة وحقيقتها لا بد وأن نشير إلى أهم أحكامها وهي كما يلي :
١ ـ إن الدليل الحاكم كالتخصيص من حيث أنه إذا كان متصلاً بالكلام يرفع الظهور وإذا كان منفصلاً عنه فيرفع الحجية دون الظهور. وهذا واضح بعد أن عرفنا أن ملاك الحكومة إنما هو القرينية الشخصية ، فإن القرينة كلما اتصلت بذي القرينة كانت صالحة لرفع الظهور وجعل مدلوله على وفق القرينة وإذا انفصلت عنه فتهدم حجيته ، بناء على المصادرة العقلائية المتقدمة القائلة بأن للمتكلم أن يحدد المراد النهائيّ لمدلول كلامه ، وأما ظهوره المنعقد فيبقى على حاله على توضيح وتفصيل تأتي الإشارة إليه في الجمع العرفي والقرينية النوعية.
٢ ـ إن موازين التمسك بالمحكوم عند الشك في الحاكم المنفصل بأقسامه هي نفس موازين التمسك بالعامّ عند الشك في مخصصه المنفصل بأقسامه ، فيجوز التمسك بالمحكوم في باب الحكومة عند ما يجوز التمسك بالعامّ في باب التخصيص ولا يجوز الأول حينما لا يجوز الثاني. كما أن ابتلاء الدليل الحاكم بالإجمال إذا كان متصلاً بالدليل المحكوم كابتلاء المخصص المتصل بذلك من حيث تأثيره على ما اتصل به وسريان الإجمال منه إليه ، والسبب في كل ذلك هو ما تقدم من أن تقديم الدليل الحاكم يكون بملاك القرينية.
٣ ـ إن الدليل الحاكم يتقدم ولو كانت دلالته من أضعف الظهورات على الدليل المحكوم ولو كانت دلالته من أقوى الظهورات ولا يطبق عليهما قانون تقديم أقوى الظهورين ، لأن حجية الظهور في الدليل المحكوم مقيدة ـ بحكم المصادرة المفترضة للحكومة ـ بأن لا يرد تفسير من المتكلم على الخلاف فأي ظهور يدل على ورود ذلك التفسير مهما كان ضعيفاً يستحيل