الصورة الرابعة ـ نفس الصورة المتقدمة مع افتراض احتمال التعيين في كلا الدليلين ـ وحكمها جريان البراءة عن احتمال التعيين في كل من الطرفين. وبتعبير آخر : إجراء البراءة عن كل من الوجوب والحرمة الواقعيين المحتملين لأنه على جميع التقادير يتشكل علم إجمالي دائر بين محذورين ، ولا يمكن موافقته القطعية فيكون حاله حال الدوران بين المحذورين بعد الفحص ، مع فرق من ناحية أنه لا دوران هنا بين احتمال الوجوب والحرمة فقط ، بل يحتمل عدمهما أيضا ـ إذا لم يفترض العلم بصدق أحد الدليلين ـ وإن كان منفياً بالحجة المعلومة إجمالاً ، فالنتيجة في هذه الصورة نتيجة التخيير.
وهكذا اتضح أن مقتضى الأصل الثانوي عند الدوران بين التعيين والتخيير ليس هو التعيين دائماً كما ذهب إليه المشهور ، بل قد تثبت نتيجة التخيير.
إذا كان مركز التعارض بين الدليلين المتنافيين دليل حجية السند في أحد المتعارضين ودليل حجية الظهور في المعارض الأخرى. كما هو الحال في الفرضية الثالثة من فرضيات التعارض الرئيسية ، أي ما إذا تعارض دليل ظني السند كخبر الثقة مع دليل قطعي كالكتاب الكريم مع تعذر الجمع العرفي ـ فتارة : يفرض أن دلالة الخبر قطعية ، بحيث لا يحتاج في التمسك به إلى دليل حجية الظهور ، وأخرى : تفرض الحاجة إليه.
فعلى التقدير الأول ، يكون التعارض ابتداء بين دليل حجية السند الظني ودليل حجية ظهور الدليل القطعي. وبما أن الأخير منحصر في السيرة العقلائية والمتشرعية التي هي من الأدلة اللبية ، فقد يتوهم : تعيّن السند الظني للحجية لأن دليل حجية الظهور لا بد وأن يقتصر فيه على قدره المتيقن وهو غير مورد التعارض ، بينما دليل حجية السند الظني غير منحصر في الأدلة اللبية بل فيه ما يتضمن إطلاقاً لفظياً ـ كما إذا تم الاستدلال على حجية خبر الثقة بالآيات