كيفَ نشَأ التعَارضُ في الأدلةِ الشرعيَّة
وقد يتساءل عن منشأ وقوع التعارض بين الأحاديث الصادرة عن المعصومين عليهمالسلام رغم أنهم جميعاً يفصحون عن أحكام الشرع المبين المنزّه عن التناقض والاختلاف. وقد ينطلق من ذلك للتشكيك في الأسس والأصول الموضوعية التي يبتني عليها الفقه الجعفري بل التراث الشيعي بكامله ، من الاعتقاد بعصمة الأئمة واعتبار أقوالهم والنصوص الصادرة عنهم كالقرآن الكريم والسنّة النبوية مصدراً تشريعياً يرجع إليها في مجال التعرف على أحكام الشريعة المقدسة. فتجعل من ظاهرة التعارض والاختلاف الملحوظة بين النصوص الصادرة عنهم دليلاً على الزعم القائل : بأن الأئمة ليسوا إلاّ مجتهدين كسائر الفقهاء والمجتهدين ، وليست الأحاديث الصادرة عنهم إلاّ تعبيراً عن آرائهم الاجتهادية الخاصة ، فيكون من الطبيعي حينئذ وجود الاختلاف والتعارض فيما بينها ، وبهذا تفقد هذه الأحاديث الشريفة قيمتها التشريعية والمصدرية. ولسنا هنا بصدد الدفاع عن عقيدة العصمة ، فإن لذلك مجالاً غير هذا البحث ، وإنما نود أن نشير فيما يلي إلى أهم العوامل التي يمكن أن تفسر ظاهرة التعارض الموجودة بين الأحاديث والنصوص الصادرة عن أئمتنا عليهمالسلام ، دون أن يكون فيها ما يفقد قيمتها التشريعية.