كثيراً ما لا يكون بين النصين المدعى تعارضهما أي تناف في الواقع ، ولكن الفقيه الممارس لعملية الاستنباط قد يُتراءى له التناقض بينهما على أساس الإطار الذهني الّذي يعيشه ويتأثر به في مجال فهم النص فيخطئ في تشخيص معنى النص إما لجهله باللغة وعدم اطلاعه على دقائقها ، أو لغفلته عن وجود بعض القرائن ، أو قرينية الموجود منها ، أو لعدم معرفته بطروّ تغيير في بعض الأوضاع اللغوية. فهو يفهم النص في ضوء ما يراه معنى له بالفعل ، ثم يفترض أنه كان معنى اللفظ في زمان صدور النص أيضا ، ولو من جهة أصالة عدم النقل والثبات العقلائية.
فكل واحد من هذه العوامل قد يسبب وقوع التعارض فيما بين النصوص لدى الفقيه الممارس لعملية الاستنباط ، ولكنه تعارض ذاتي وليس تعارضاً موضوعياً ثابتاً في واقع الأمر.
ومن العوامل المؤثرة في نشوء ظاهرة التعارض بين الأحاديث وقوع النسخ في جملة من الأحكام الشرعية.
والنسخ ، إن أخذناه بمعناه الحقيقي ، وهو رفع الحكم بعد وضعه وتشريعه الّذي هو أمر معقول ، بل واقع في الأحكام العرفية بلا كلام وادّعي وقوعه في الأحكام الشرعية من قبل بعض الأصوليين ، فسوف لن يكون النسخ من باب التعارض والتنافي بين الدليلين بحسب الدلالة ومقام الإثبات ، لأن الدليل الناسخ حينئذٍ لا يكون مكذباً للدليل المنسوخ ، لا بلحاظ دلالته على أصل الحكم المنسوخ ولا بلحاظ دلالته على دوامه واستمراره ، وإنما يكون دالاً على تبدّل الحكم وتغيره ثبوتاً بعد أن كان نظر المشرّع على طبق