الأمر أنه يعلم من الخارج بأن هذا الدليل الّذي سقط جزء من مدلوله عن الحجية لسبب خارجي لو كان له محصّل ومفاد جدّي فهو في الأفراد الباقية ، وأما درجة دلالة لفظ الدليل على تلك الأفراد وقوة ظهوره في إرادتها فلا تختلف بعد التخصيص عنها قبله. فهو نظير القدر المتيقن من الخارج ، فإن القدر المتيقن من الخارج لا يجعل الدليل صريحاً بنحو يصلح للقرينية على تخصيص دليل آخر ، ولهذا لا يكون قوله ( ثمن العذرة سحت ) مخصصاً لقوله ( لا بأس بثمن العذرة ) بغير ما هو القدر المتيقن منه لأن هذا التيقن لا يجعل دلالة الدليل بما هو دليل على حكم عذرة ما لا يؤكل لحمه نصاً أو أقوى من دلالته على حكم عذرة ما يؤكل لحمه.
وهكذا يتضح : عدم كفاية شيء من الوجوه التي تقدمت في نظرية التخصيص لإثبات انقلاب النسبة. وأنه لا بد من افتراض مصادرة إضافية إذا أريد إثباته.
الجهة الثانية ـ في استعراض صور التعارض بين الدليلين المتعارضين إذا ورد على أحدهما أو كلاهما مخصص منفصل ليتبين موارد تطبيق نظرية انقلاب النسبة ، وتوضيح حال بعض النتائج المتفقة معها غير المبتنية عليها مما قد يتوهم ابتنائها عليها. وقبل البدء بذكر صور التعارض لا بد من توضيح ما يلي : إن هناك نكتتين ينبغي التمييز بينهما.
الأولى ـ إذا كان أحد الدليلين بحسب ما هو حجة من مدلوله أخص من الدليل الآخر تقدم عليه بالتخصيص ولو لم يكن بحسب تمام مدلوله أخص. وهذه هي نكتة نظرية انقلاب النسبة التي لم نوافق عليها في الجهة السابقة.
الثانية ـ إن أحد الدليلين المتعارضين إذا سقط عن الحجية في شيء من مدلوله كان معارضه حجة في ذلك المورد لا محالة ، وإن كان التعارض باقياً بينهما بلحاظ الموارد الباقية تحت ما هو الحجة من مدلول كل منهما. وهذه