ما حققناه في محله ، ـ إلاّ أن القرائن إذا كانت ارتكازية عامة فلا تكون محسوسة لدى الراوي حين النقل كي يذكرها صريحاً ، لأنها حينئذ قضايا عامة معاشة في ذهن كل إنسان فلا يشعر الراوي بحاجة إلى ذكرها باللفظ ـ ولذلك استثنينا في محله عن قاعدة رفع إجمال النص حين احتمال وجود القرينة بشهادة الراوي السلبية المستكشفة من سكوته ، ما إذا كانت القرينة المحتملة قرينة ارتكازية عامّة ، لأن الراوي حينئذ يفترض وجودها ارتكازاً عند السامع أيضا فلا يتصدى لنقلها ، ولا يكون في سكوته شهادة سلبية بعدمها ـ فقد يبقى النص على هذا الأساس منقولاً بألفاظه مجرداً عن القرينة الارتكازية العامة ، فإذا ما تغير عبر عصور متعاقبة ذلك الارتكاز العام وتبدل إلى غيره ، تغيّر معنى النص لا محالة ، وإذا اعتبرنا مثل هذا الظهور حجة ، ولو تمسكاً بأصالة عدم القرينة كما هو مسلك المشهور ، فقد ينشأ على هذا الأساس التنافي بين هذا النص وغيره من النصوص المتكفلة لبيان نفس الحكم الشرعي.
وتصرف الرّواة في ألفاظ النص ونقلهم له غير مكترثين بألفاظه وغير محافظين على حرفيته في أغلب الأحيان هو العامل الآخر في نشوء التعارض بين النصوص ، إذ من الطبيعي أن يقع حينئذ في دلالة النص أو مدلوله شيء من التغيير والتبديل ، بأن تتغير مرتبة دلالة النص ودرجة صراحتها ، أو يتغير مدلوله نتيجة غفلة الراوي أو جهله في مقام التصرف ، فينشأ على أساس ذلك التعارض أو تستحكم المعارضة بسبب التغيير الحاصل بحيث لولاه لكان من الممكن الجمع بين النصوص وحل المعارضة بأحد أنحاء الجمع العرفي التي سوف يأتي شرحها. وقد كان من الطبيعي على هذا الأساس أن يتأثر درجة التغير والتصرف في النص بمدى قدرة الراوي على ضبط تمام المعنى ونقله من دون تصرف فيه إلاّ بما لا يخل ، فكلما كان الراوي أعلم بدقائق اللغة وأعرف بظروف صدور النص وبيئته ، كان احتمال التغيير فيما ينقله إلينا