أضعف درجة وأقل خطورة. ومما يشهد على وجود هذا العامل في الروايات ما نجده في أحاديث بعض الرّواة بالخصوص من أصحاب الأئمة عليهمالسلام. من غلبة وقوع التشويش فيها ، حتى اشتهرت روايات عمار الساباطي مثلاً ، بين الفقهاء بهذا المعنى ، لكثرة ما لوحظ فيها من الارتباك والإجمال في الدلالة أو الاضطراب والتهافت في المتن في أكثر الأحيان ، وقد صار العلماء يعتذرون في مقام الدفاع عن صحة ما يصح عن طريقه وعدم قدح اضطراب متنه في اعتباره ، بأنه من عمار الساباطي الّذي لم يكن يجيد النقل والتصرف في النصوص لقصور ثقافته اللغوية.
ومن أهم عوامل نشوء التعارض بين الروايات أيضا ، أسلوب التدرج الّذي كان يسلكه أئمتنا عليهمالسلام في مجال بيان الأحكام الشرعية وتبليغها إلى الناس ، حيث لم يكونوا يفصحون عن الحكم وتفاصيله وكل أبعاده دفعة واحدة وفي مجلس واحد في أكثر الأحيان ، بل كانوا يؤجلون بيان التحديدات والتفاصيل إلى أن تحين فرصة أخرى ، أو يتصدّى الراوي بنفسه للسؤال عنها ثانية.
وهذه ظاهرة واضحة في حياة الأئمة عليهمالسلام التثقيفية مع أصحابهم ورواة أحاديثهم ، يلحظها كل من تتبع ودرس الأحاديث الصادرة عنهم. وربما تلحظ هذه الحالة في الحديث الواحد. حيث يبين الإمام عليهالسلام الحكم الشرعي أولا على سبيل الإيجاز ويسكت عن التفاصيل لو لا إلحاح السائل بعد ذلك وتصدّيه بنفسه لفهم حدود الحكم ودقائقه ، كما نشاهد ذلك في مثل رواية العيص بن القاسم ، قال : « قَالَ أبُو عَبدِ اللهِ عليهالسلام في حَدِيثٍ :وَكَره النّقَابَ ـ يعني للمرأة المحرمة ـ وَقَالَ تُسدِلُ الثّوبَ عَلى وَجهِهَا ، قُلتُ : حَدّ ذَلِكَ إلى أينَ؟ قَالَ : إلى طَرَفِ الأنفِ قَدَرَ مَا تُبصِرُ » (١).
__________________
(١) وسائل الشيعة ب ـ ٤٨ ـ من أبواب تروك الإحرام.