فإن جواب الإمام عليهالسلام بجواز إسدال المرأة الثوب على وجهها من دون تقييد ذلك بطرف الأنف ظاهر في جواز إسدالها على كامل وجهها ، ولكن تصدي السائل ثانيا للسؤال عن حد ذلك الحكم أوجب أن يبين الإمام عليهالسلام ، ما يكون منافياً مع الجواب الأول ومقيداً له.
ولعل السبب الّذي كان يدعو لهذا التدرج في البيان ، هو مراعاة حالة المتشرعة التي لم تكن تسمح لهم باستيعاب التفاصيل كلها دفعة واحدة في ظل تلك الظروف السياسية ، ومع تلك الإمكانات المحدودة المستعصي معها التعليم والتعلم من جهة ، وتطبيقاً لفكرة التدرج الطبيعي في مجال التربية والتثقيف على الأحكام الشرعية تلك الفكرة التي طبقها النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أيضا في بدء الدعوة إلى الإسلام ، من جهة أخرى. فكان من نتائج هذا الأسلوب أن اعتمد الأئمة في مقام تبليغ تفاصيل الأحكام الشرعية وتثبيتها في أذهان أصحابهم على القرائن المنفصلة والبيانات المتأخرة بعضها عن بعض ، فشاع على هذا الأساس التعارض والتنافي بين النصوص والأحاديث الصادرة عنهم بنحو التخصيص أو التقييد أو القرينة ، كما نجده في كتب الحديث التي بأيدينا اليوم.
والتقية أيضا كان لها دور مهم في نشوء التعارض بين الروايات ، فلقد عاش أكثر الأئمة المعصومين عليهمالسلام ظروفاً عصيبة فرضت عليهم التقية في القول أو السلوك.
ولا نريد هنا شرح الأسباب التأريخية التي دعت الأئمة عليهمالسلام إلى الاتقاء في أحاديثهم أو التحفظ في حياتهم العملية ، فإن للحديث عن ذلك مجالاً آخر ، ولكنه ينبغي أن نشير إلى أن التقية التي كان يعملها الأئمة لم تكن تقية من حكام بني أمية وبني العباس فحسب ، بل كانوا يواجهون ظروفاً اضطرتهم