أنّكَ تَقعُدُ في الجَامِعِ فَتُفْتي النّاسَ؟ قُلتُ : نَعَم ، وَأرَدتُ أن أسألَكَ عَن ذَلِكَ قَبلَ أن أخرُجَ ، إنّي أقعُدُ في المَسجِدِ فَيَجِيءُ الرّجُلُ فَيَسألُني عَن الشّيءِ فَإذَا عَرَفتُهُ بالخِلافِ لَكُم أخبَرتُهُ بِمَا يَفعَلُونَ ، وَيَجِيءُ الرّجُلُ أعرفُهُ بِمَوَدّتِكُم وَحُبّكُم فَأخبَرتُهُ بِمَا جَاءَ مِنكُم ، وَيَجِيءُ الرّجُلُ لا أعرِفُه وَلا أدرِي مَن هُوَ فَأقُولُ : جَاءَ عَن فُلانٍ كَذا وَجَاءَ عَن فُلانٌ كَذا فأدخِلُ قَولَكُم فِيمَا بَينَ ذَلِكَ. فَقَالَ عليهالسلام : اصنَع كَذا فَإنّي كَذا أصنَعُ » (١).
وواضح على ألسنة هذه الروايات ما ذكرناه من أن تقية الأئمة لم تكن تحفظاً من الحكام فحسب ، بل كانت مراعاة للناس والمذاهب المختلفة التي راجت عندهم أيضا.
وقد ينشأ التعارض بين الحديثين نتيجة أن الإمام حينما قال أحدهما كان يلاحظ حالة في السائل يتغير على أساسها الحكم الشرعي ويتأثر بها ، فإن الأحكام الشرعية قد تتغير باختلاف حالات العلم والجهل والنسيان والعذر ونحو ذلك ، فيكون الإمام في أحد الموردين قد أفتى سائله بما يكون وظيفته الشرعيّة المقرّرة له وهو بتلك الحالة لا مطلقاً ، ولكن السائل قد نقل ذلك الحكم كقضية مطلقة دون أن يلتفت إلى احتمال دخالة الحالة التي كان عليها في الحكم ، فيحصل من أجل ذلك التعارض بينه وبين ما صدر عن المعصوم في مورد آخر كانت تختلف فيه ظروف الراوي للحديث عن ظروف الراوي الأول. وقد ورد التنبيه على ذلك من قبل الأئمة أنفسهم أيضا في بعض الروايات ، حين عرض عليهم بعض موارد التعارض من كلماتهم ، فقد روى صفوان
__________________
(١) وسائل الشيعة ب ـ ١١ ـ من أبواب صفات القاضي.