وعلى كل حال فـ ( يرجع في تقدير الرضعة إلى العرف الذي هو المرجع في كل لفظ لم يعين له الشارع حذا مضبوطا. وقيل : حدها أن يروى الصبي مثلا ويصدر من قبل نفسه وكأنه في محكي التذكرة أرجع القولين إلى قول واحد حيث قال : « إن المرجع في الكاملة إلى العرف ، ـ ثم قال ـ : إذا ارتضع الصبي وروى وقطع قطعا بينا باختياره وأعرض إعراض ممتل باللبن كان ذلك رضعة » وهو الذي فهمه في كشف اللثام ، فإنه قال : « القولان مذكوران في المبسوط ، ونسب الثاني إلى أصحابنا ، وفي الخلاف قطع به ، ونسب الأول إلى الشافعي ، والظاهر أن الثاني تفسير للأول ، كما هو صريح التذكرة ، ولا تنافيه هذه العبارة ولا عبارة المبسوط » وقد سبقه الى ذلك ثاني الشهيدين في المسالك قال فيها : « والقولان للشيخ ، وهما في الحقيقة قول واحد ، لأن ما ذكره ثانيا مما يدل عليه العرف ولا يدل على غيره ، وإنما الاختلاف في العبارة ، وقد جمع بينهما في التذكرة » ثم حكى ما سمعته عنها وقال : « فجعل العبارتين معا حدا واحدا ، وقد فصل المصنف بينهما بقيل ، وكذلك العلامة في القواعد والتحرير نظرا الى الشك في تساويهما مفهوما ، وكلام الشيخ في المبسوط ليس فيه ما ينافي اتحادهما ، لأنه قال : والمرجع في ذلك الى العرف ، لأن ما لا حد له في الشرع ولا في اللغة يرجع فيه الى العرف ، غير أن أصحابنا قيدوا الرضعة بما يروى الصبي منه ويمسك ، وهذه العبارة هي مستند الجماعة في جعلهما قولين ، وليست بدالة على ذلك ، وربما نزلت الحكاية بقيل على التنبيه على اختلاف العبارة في ضبطها ، لا أنه قول مستقل ».
قلت : لا يخفى ظهور ذلك والمحكي عن الخلاف في أنهما قولان مستقلان ، وكأن ثانيهما نظر الى الخبرين المزبورين ، فلا يكفي حينئذ عدم الارتواء والامتلاء والتضلع ولو لعارض في الصبي أو عادة أو نحو ذلك بخلاف الأول ، فإنه يكفي صدق الرضعة عرفا المتحققة بحسب حال الصبي ويكون ذلك فائدة القولين ، ولعل الأول ، أقواهما كما هو ظاهر الأصحاب ، ومقتضى القاعدة في أمثال ذلك من الألفاظ ، والخبران يمكن إرجاعهما إليه ، بل لم نجد عاملا بهما على جهة مخالفة العرف ، فتأمل جيدا فإنه قد ينكشف بذلك الحال في المسألة السابقة ، وهي اعتبار صحة المزاج الذي قد عرفت الوجهين فيها ، والله العالم.