( ما نحكي عنه بلفظ أنا ) ، والكليات الاخر المعقولة ، فهذه العلوم والادراكات لا يوجب حصولها لنا تحقق إِرادة ولا صدور فعل ، بل إِنما تحكي عن الخارج حكاية .
وهناك شطر آخر بالعكس من الشطر السابق كقولنا : إِن هناك حسناً وقبحاً وما ينبغي ان يفعل وما يجب ان يترك ، والخير يجب رعايته ، والعدل حسن ، والظلم قبيح ومثل مفاهيم الرئاسة والمرؤسية ، والعبدية والمولوية فهذه سلسلة من الافكار والادراكات لا هم لنا إِلا ان نشتغل بها ونستعملها ولا يتم فعل من الافعال الارادية إِلا بتوسيطها والتوسل بها لاقتناء الكمال وحيازة مزايا الحياة .
وهي معذلك لا تحكي عن أُمور خارجية ثابتة في الخارج مستقلة عنا وعن أفهامنا كما كان الامر كذلك في القسم الاول فهي علوم وإِدراكات غير خارجة عن محوطة العمل ولا حاصلة فينا عن تأثير العوامل الخارجية ، بل هي مما هيأناه نحن وألهمناه من قبل إِحساسات باطنية حصلت فينا من جهة اقتضاء قوانا الفعالة ، وجهازاتنا العاملة للفعل والعمل ، فقوانا الغاذية أو المولدة للمثل بنزوعها نحو العمل ، ونفورها عمالا يلائمها يوجب حدوث صور من الاحساسات : كالحب والبغض ، والشوق والميل والرغبة ، ثم هذه الصور الاحساسية تبعثنا إِلى اعتبار هذه العلوم والادراكات من معنى الحسن والقبح ، وينبغي ولا ينبغي ، ويجب ويجوز ، إِلى غير ذلك ، ثم بتوسطها بيننا وبين المادة الخارجية وفعلنا المتعلق بها يتم لنا الأمر ، فقد تبين أن لنا علوماً وإِدراكات لا قيمة لها إِلا العمل ، ( وهي المسماة بالعلوم العملية ) ولاستيفاء البحث عنها محل آخر .
والله سبحانه ألهمها الانسان ليجهزه للورود في مرحلة العمل ، والاخذ بالتصرف في الكون ، ليقضي الله أمراً كان مفعولاً ، قال تعالى : « الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ » طه ـ ٥٠ ، وقال تعالى : « الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّىٰ وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ » الاعلى ـ ٣ ، وهذه هداية عامة لكل موجود مخلوق إِلى ما هو كمال وجوده ، وسوق له إِلى الفعل والعمل لحفظ وجوده وبقائه ، سواء كان ذا شعور أو فاقداً للشعور .
وقال تعالى في الانسان خاصة : « وَنَفْسٍ وَمَا
سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا
» الشمس ـ ٨ ، فأفاد أن الفجور والتقوى معلومان للانسان بإِلهام فطري منه تعالى ، وهما ما ينبغي أن يفعله أو يراعيه وما لا ينبغي ، وهي العلوم العملية التي لا اعتبار