وقال قائل منهم : ينبغي أن تضعوا القانون المصلح لهذا الاختلاف على أساس الشخصيات الموجودة الذي جئتم بها من بلدكم الذي خرجتم منه ، فيتأدب كل بما له من الشخصية الخلقية ، ويأخذ بالرحمة لرفقائه ، والعطوفة والشهامة والفضيلة ، ثم تشتركوا مع ذلك في الانتفاع عن هذه الامتعة الموجودة ، فليست إِلا لكم ولمنزلكم هذا .
وقد أخطأ القائلان جميعاً ، وسهيا عن أن القافلة جميعاً على جناح سفر ، ومن الواجب على المسافر أن يراعي في جميع أحواله حال وطنه وحال غاية سفره التي يريدها فلو نسي شيئاً من ذلك لم يكن يستقبله إِلا الضلال والغى والهلاك .
والقائل المصيب بينهم هو من يقول : تمتعوا من هذه الامتعة على حسب ما يكفيكم لهذه الليلة ، وخذوا من ذلك زاداً لما هو أمامكم من الطريق ، وما أُريد منكم في وطنكم ، وما تريدونه لمقصدكم .
( رفع الاختلاف بالدين )
ولذلك شرع الله سبحانه ما شرعه من الشرائع والقوانين واضعاً ذلك على أساس التوحيد ، والاعتقاد والاخلاق والافعال ، وبعبارة أُخرى وضع التشريع مبني على أساس تعليم الناس وتعريفهم ما هو حقيقة أمرهم من مبدئهم إِلى معادهم ، وانهم يجب أن يسلكوا في هذه الدنيا حياة تنفعهم في غد ، ويعملوا في العاجل ما يعيشون به في الآجل ، فالتشريع الديني والتقنين الالهي هو الذي بني على العلم فقط دون غيره ، قال تعالى : « إِن الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ » يوسف ـ ٤٠ ، وقال تعالى في هذه الآية المبحوث عنها : « فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ » الآية ، فقارن بعثة الأنبياء بالتبشير والانذار بإِنزال الكتاب المشتمل على الاحكام والشرائع الرافعة لاختلافهم .
ومن هذا الباب قوله تعالى : « وَقَالُوا مَا هِيَ
إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِن هُمْ
إِلَّا يَظُنُّونَ » الجاثية ـ ٢٤ ، فإِنهم
إِنما