في حسبانهم ، والدين أجل شأناً من ان يدعو الى الجهل والتقليد ، وامنع جانباً من ان يهدي الى عمل لا علم معه ، أو يرشد الى قول بغير هدى ولا كتاب منير ، ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو كذب بالحق لما جائه .
( الاختلاف في نفس الدين )
وبالجملة فهو تعالى يخبرنا ان الاختلاف في المعاش وأُمور الحياة إِنما رفع أول ما رفع بالدين ، فلو كانت هناك قوانين غير دينية فهي مأخوذة بالتقليد من الدين .
ثم إِنه تعالى يخبرنا ان الاختلاف نشأ بين النوع في نفس الدين وإِنما أوجده حملة الدين ممن أُوتي الكتاب المبين : من العلماء بكتاب الله بغياً بينهم وظلماً وعتواً ، قال تعالى : « شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ، إِلى ان قال ، وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بَيْنَهُمْ » الشورى ـ ١٤ ، وقال تعالى : « وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ » يونس ـ ١٩ ، والكلمة المشار اليها في الآيتين هو قوله تعالى : « وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ » الاعراف ـ ٢٤
فالاختلاف في الدين مستند إِلى البغي دون الفطرة ، فإِن الدين فطري وما كان كذلك لا تضل فيه الخلقة ولا يتبدل فيه حكمها كما قال تعالى : « فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ » الروم ـ ٣٠ فهذه جمل ما بني عليه الكلام في هذه الآية الشريفة .
( الانسان بعد الدنيا )
ثم إِنه يخبرنا ان الانسان سيرتحل من
الدنيا التي فيه حياته الاجتماعية وينزل داراً أُخرى سماها البرزخ ، ثم داراً أُخرى
سماها الآخرة غير ان حياته بعد هذه الدنيا حياة انفرادية ، ومعنى كون الحياة انفرادية ، انها لا ترتبط بالاجتماع
التعاوني ،