فعال بمعنى المكتوب ، والكتاب بحسب المتعارف من اطلاقه وان استلزم كتابه بالقلم لكن اكون العهود والفرامين المفترضة انما يبرم بالكتابة غالباً شاع اطلاقه على كل حكم مفروض واجب الاتباع أو كل بيان بل كل معنى لا يقبل النقض في إِبرامه ، وقد كثر استعماله بهذا المعنى في القرآن ، وبهذا المعنى سمي القرآن كتاباً وهو كلام الهي ، قال تعالى : « كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ » ص ـ ٢٩ ، وقال تعالى : « إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا » النساء ـ ١٠٣ وفي قوله تعالى فيما اختلفوا فيه ، دلالة على ان المعنى : كان الناس امة واحدة فاختلفوا فبعث الله « الخ » ، كما مر .
واللام في الكتاب اما للجنس واما للعهد الذهني والمراد به كتاب نوح عليهالسلام لقوله تعالى : « شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ » الشورى ـ ١٣ ، فإِن الآية في مقام الامتنان وتبين ان الشريعة النازلة على هذه الامة جامعة لمتفرقات جميع الشرائع السابقة النازلة على الانبياء السالفين مع ما يختص بوحيه النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فالشريعة مختصة بهؤلاء الانبياء العظام : نوح وابراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم .
ولما كان قوله تعالى : وأنزل معهم الكتاب ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه الآية يدل على ان الشرع إِنما كان بالكتاب دلت الآيتان بالانضمام اولاً : على ان لنوح عليهالسلام كتاباً متضمناً لشريعة ، وانه المراد بقوله تعالى : وانزل معهم الكتاب ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه ، إِما وحدة أو مع غيره من الكتب بناء على كون اللام للعهد أو الجنس .
وثانياً : ان كتاب نوح أول كتاب سماوي متضمن للشريعة ، اذ لو كان قبله كتاب لكان قبله شريعة حاكمة ولذكرها الله تعالى في قوله : شرع لكم الآية .
وثالثاً : ان هذا العهد الذي يشير تعالى اليه بقوله : كان الناس أُمة واحدة الآية كان قبل بعثة نوح عليهالسلام وقد حكم فيه كتابه عليهالسلام .
قوله
تعالى : وما اختلف فيه إِلا الذين أُوتوه بغياً
بينهم ، قد مر أن المراد به الاختلاف الواقع في نفس الدين من حملته ، وحيث كان الدين من الفطرة كما يدل عليه قوله تعالى : « فَأَقِمْ
وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا
» الروم ـ ٣٠ ،