نسب الله سبحانه الاختلاف الواقع فيه الى البغي .
وفي قوله تعالى : إلا الذين أُوتوه ، دلالة على ان المراد بالجملة هو الإشارة إِلى الاصل في ظهور الاختلاف الديني في الكتاب لا أن كل من انحرف عن الصراط المستقيم أو تدين بغير الدين يكون باغياً وإِن كان ضالا عن الصراط السوي ، فإِن الله سبحانه لا يعذر الباغي ، وقد عذر من اشتبه عليه الامر ولم يجد حيلة ولم يهتد سبيلا ، قال تعالى : « إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ » الشورى ـ ٤٢ ، وقال تعالى : « وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ إِن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ـ إِلى أن قال ـ : وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ » التوبة ـ ١٠٦ ، وقال تعالى : « إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا فَأُولَٰئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا » النساء ـ ٩٩ .
على أن الفطرة لا تنافي الغفلة والشبهة ، ولكن تنافي التعمد والبغي ، ولذلك خص البغي بالعلماء ومن استبانت له الآيات الإلهية ، قال تعالى : « وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ » البقرة ـ ٣٩ ، والآيات في هذا المعنى كثيرة ، وقد قيد الكفر في جميعها بتكذيب آيات الله ثم أوقع عليه الوعيد ، وبالجملة فالمراد بالآية أن هذا الاختلاف ينتهي الى بغي حملة الكتاب من بعد علم .
قوله
تعالى : فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه
من الحق بيان لما اختلف فيه وهو الحق الذي كان الكتاب نزل بمصاحبته ، كما دل عليه قوله تعالى : وأنزل معهم الكتاب بالحق ، وعند ذلك عنت الهداية الإلهية بشأن الاختلافين معاً : الاختلاف في شأن الحياة ، والاختلاف في الحق والمعارف الإلهية الذي كان عامله الاصلي بغى حملة الكتاب ، وفي تقييد الهداية بقوله تعالى : بإِذنه دلالة على أن هداية الله تعالى
لهؤلاء المؤمنين لم تكن إِلزاماً منهم ، وإِيجاباً على الله تعالى أن يهديهم لإيمانهم ،
فإِن الله سبحانه لا يحكم عليه حاكم ، ولا يوجب عليه موجب إِلا ما أوجبه على نفسه ، بل كانت الهداية
بإِذنه تعالى ولو شاء لم يأذن ولم يهد ، وعلى هذا فقوله تعالى : والله يهدي من
يشاء إِلى
( ٢ ـ الميزان ـ ٩ )