صراط مستقيم بمنزلة التعليل لقوله بإِذنه ، والمعنى إِنما هداهم الله بإِذنه لان له أن يهديهم وليس مضطراً موجباً على الهداية في مورد أحد ، بل يهدي من يشاء ، وقد شاء أن يهدي الذين آمنوا إِلى صراط مستقيم .
وقد تبين من الآية أولا : حد الدين ومعرّفه ، وهو أنه نحو سلوك في الحياة الدنيا يتضمن صلاح الدنيا بما يوافق الكمال الاخروي ، والحياة الدائمة الحقيقية عند الله سبحانه ، فلا بد في الشريعة من قوانين تتعرض لحال المعاش على قدر الاحتياج .
وثانياً : أن الدين أول ما ظهر ظهر رافعاً للاختلاف الناشي عن الفطرة ثم استكمل رافعاً للاختلاف الفطري وغير الفطري معاً .
وثالثاً : أن الدين لا يزال يستكمل حتى يستوعب قوانينه جهات الاحتياج في الحياة ، فإِذا استوعبها ختم ختماً فلا دين بعده ، وبالعكس إِذا كان دين من الاديان خاتماً كان مستوعباً لرفع جميع جهات الاحتياج ، قال تعالى : « مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَٰكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ » الاحزاب ـ ٤٠ ، وقال تعالى : « وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ » النحل ـ ٨٩ ، وقال تعالى : « وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ » حم السجدة ـ ٤٢ .
ورابعاً : أن كل شريعة لاحقة أكمل من سابقتها .
وخامساً
: السبب في بعث الانبياء وإِنزال الكتب ،
وبعبارة أُخرى العلة في الدعوة الدينية ، وهو أن الانسان بحسب طبعه وفطرته سائر نحو الاختلاف كما أنه سالك
نحو الاجتماع المدني ، وإِذا كانت الفطرة هي الهادية إِلى الاختلاف لم تتمكن من
رفع الاختلاف ، وكيف يدفع شيء ما يجذبه اليه نفسه ، فرفع الله سبحانه هذا الاختلاف بالنبوة والتشريع بهداية النوع إِلى كماله اللائق بحالهم المصلح لشأنهم ، وهذا
الكمال كمال حقيقي داخل في الصنع والإيجاد فما هو مقدمته كذلك ، وقد قال تعالى : « الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ
» طه ـ ٥٠ ، فبين أن من شأنه وأمره تعالى أن يهدي كل شيء إِلى ما يتم به خلقه ، ومن تمام خلقة الانسان أن يهتدي الى كمال وجوده في
الدنيا والآخرة ، وقد قال تعالى أيضاً : « كُلًّا نُّمِدُّ هَٰؤُلَاءِ
وَهَٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا » الاسراء ـ ٢٠ ،
وهذه الآية تفيد أن شأنه تعالى هو الامداد بالعطاء : يمد