لكن هذا الفرق لا يؤيده كلامه تعالى كقوله تعالى : « وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَىٰ إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا » مريم ـ ٥١ ، والآية في مقام المدح والتنظيم ولا يناسب هذا المقام التدرج من الخاص إِلى العام كما لا يخفى .
وكذا قوله تعالى : « وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ » الحج ـ ٥١ ، حيث جمع في الكلام بين الرسول والنبي ثم جعل كلاً منهما مرسلاً لكن قوله تعالى : « وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ » الزمر ـ ٦٩ ، وكذا قوله تعالى : « وَلَٰكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ » الاحزاب ـ ٤٠ ، وكذا ما في الآية المبحوث عنها من قوله تعالى : « فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ » إِلى غير ذلك من الآيات يعطي ظاهرها أن كل مبعوث من الله بالارسال الى الناس نبي ولا ينافي ذلك ما مر من قوله تعالى : وكان رسولاً نبياً الآية ، فإِن اللفظين قصد بهما معناهما من غير ان يصيرا اسمين مهجوري المعنى فالمعنى وكان رسولاً خبيراً بآيات الله ومعارفه ، وكذا قوله تعالى : « وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ » الآية لامكان ان يقال : ان النبي والرسول كليهما مرسلان الى الناس ، غير ان النبي بعث لينبىء الناس بما عنده من نبأ الغيب لكونه خبيراً بما عند الله ، والرسول هو المرسل برسالة خاصة زائدة على اصل نباء النبوة كما يشعر به امثال قوله تعالى : « وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ » يونس ـ ٤٧ ، وقوله تعالى : « وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا » الاِسراء ـ ١٥ ، وعلى هذا فالنبي هو الذي يبين للناس صلاح معاشهم ومعادهم من أُصول الدين وفروعه على ما اقتضته عناية الله من هداية الناس الى سعادتهم ، والرسول هو الحامل لرسالة خاصة مشتملة على اتمام حجة يستتبع مخالفته هلاكة أو عذاباً أو نحو ذلك قال تعالى : « لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ » النساء ـ ١٦٥ ، ولا يظهر من كلامه تعالى في الفرق بينهما أزيد مما يفيده لفظاهما بحسب المفهوم ، ولازمه هو الذي أشرنا اليه من ان للرسول شرف الوساطة بين الله تعالى وبين عباده وللنبي شرف العلم بالله وبما عنده وسيأتي ما روي عن أئمة أهل البيت « ع » من الفرق بينهما .
ثم ان القرآن صريح في ان الانبياء
كثيرون وان الله سبحانه لم يقصص الجميع في كتابه ، قال تعالى : « وَلَقَدْ
أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم
مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ » المؤمن ـ ٧٨ ، الى
غير ذلك والذين قصهم الله تعالى في كتابه بالاسم