( بحث اجتماعي )
فان قلت : هب ان العقل لا يستقل بالعمل في كل فرد أو في كل قوم في جميع التقادير ولكن الطبيعة تميل دائماً إِلى ما فيه صلاحها والاجتماع التابع لها مثلها يهدي إِلى صلاح أفراده فهو يستقر بالاخرة على هيئة صالحة فيها سعادة أفراد المجتمعين وهو الاصل المعروف بتبعية المحيط فالتفاعل بين الجهات المتضادة يؤدي بالأخرة الى اجتماع صالح مناسب لمحيط الحياة الانسانية جالب لسعادة النوع المجتمع الافراد ، ويشهد به ما نشاهده ويؤيده التاريخ أن الاجتماعات لا تزال تميل الى التكامل وتتمنى الصلاح وتتوجه الى السعادة اللذيذة عند الانسان ، فمنها ما بلغ مبتغاه وامنيته كما في بعض الامم مثل سويسره ، ومنها ما هو في الطريق ولما يتم له شرائط الكمال وهي قريبة أو بعيدة كما في سائر الدول .
قلت : تمايل الطبيعة إِلى كمالها وسعادتها مما لا يسع أحداً إِنكاره ، والاجتماع المنتهى الى الطبيعة حاله حال الطبيعة في التوجه إِلى الكمال لكن الذي ينبغي الامعان فيه أن هذا التمايل والتوجه لا يستوجب فعلية الكمال والسعادة الحقيقية ، لما ذكرنا من فعلية الكمال الشهوي والغضبي في الانسان وكون مبادي السعادة الحقيقية فيه بالقوة ، والشاهد عليه عين ما استشهد به في الاعتراض من كون الاجتماعات المدنية المنقرضة والحاضرة متوجهة إِلى الكمال ، ونيل بعضها إِلى المدنية الفاضلة السعيدة ، وقرب البعض الآخر أو بعده ، فإِن الذي نجده عند هؤلاء من الكمال والسعادة هو الكمال الجسمي وليس الكمال الجسمي هو كمال الانسان ، فإِن الانسان ليس هو الجسم بل هو مركب من جسم وروح ، مؤلف من جهتين مادية ومعنوية له حياة في البدن وحياة بعد مفارقته من غير فناء وزوال ، يحتاج إِلى كمال وسعادة تستند اليها في حياته الآخرة ، فليس من الصحيح أن يعد كماله الجسمي الموضوع على أساس الحياة الطبيعية كمالاً له وسعادة بالنسبة اليه ، وحقيقته هذه الحقيقة .
فتبين أن الاجتماع بحسب التجربة إِنما
يتوجه بالفعل إِلى فعلية الكمال الجسماني دون فعلية الكمال الانساني ، وإِن كان في قصدها هداية الانسان الى كمال حقيقته لا كمال جسمه الذي في تقوية جانبه هلاك الانسانية وانحلال تركيبه ، وضلاله عن