الثاء ، والمثل بفتح الميم والثاء كالشبه والشبه ، والمراد به ما يمثل الشيء ويحضره ويشخصه عند السامع ، ومنه المثل بفتحتين ، وهو الجملة أو القصة التي تفيد استحضار معنى مطلوب في ذهن السامع بنحو الاستعارة التمثيلية كما قال تعالى : « مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا » الجمعة ـ ٥ ، ومنه أيضاً المثل بمعنى الصفة كقوله تعالى : « انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ » الفرقان ـ ٩ ، وإِنما قالوا له صلىاللهعليهوآلهوسلم : مجنون وساحر وكذاب ونحو ذلك ، وحيث انه تعالى يبين المثل الذي ذكره بقوله : مستهم البأساء والضراء الخ فالمراد به المعنى الاول .
قوله تعالى : مستهم الباساء والضراء الى آخره لما اشتد شوق المخاطب ليفهم تفصيل الاجمال الذي دل عليه بقوله : ولما ياتكم مثل الذين ، بين ذلك بقوله : مستهم البأساء والضراء والبأساء هو الشدة المتوجهة الى الانسان في خارج نفسه كالمال والجاه والاهل والامن الذي يحتاج اليه في حيوته ، والضراء هي الشدة التي تصيب الانسان في نفسه كالجرح والقتل والمرض ، والزلزلة والزلزال معروف واصله من زل بمعنى عثر ، كررت اللفظة للدلالة على التكرار كان الارض مثلاً تحدث لها بالزلزلة عثرة بعد عثرة ، وهو كصر وصرصر ، وصل وصلصل ، وكب وكبكب ، والزلزال في الآية كناية عن الاضطراب والادهاش .
قوله تعالى : حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه ، قرء بنصب يقول ، والجملة على هذا في محل الغاية لما سبقها ، وقرء برفع يقول والجملة على هذا لحكاية الحال الماضية ، والمعنيان وإِن كانا جميعاً صحيحين لكن الثاني أنسب للسياق ، فإِن كون الجملة غاية يعلل بها قوله : وزلزلوا لا يناسب السياق كل المناسبة .
قوله تعالى : متى نصر الله ، الظاهر أنه مقول قول الرسول والذين آمنوا معه جميعاً ، ولا ضير في ان يتفوه الرسول بمثل هذا الكلام استدعائاً وطلباً للنصر الذي وعد به الله سبحانه رسله والمؤمنين بهم كما قال تعالى : « وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ » الصافات ـ ١٧٢ ، وقال تعالى : « كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي » المجادلة ـ ٢١ ، وقد قال تعالى أيضاً : « حَتَّىٰ إِذا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا » يوسف ـ ١١٠ ، وهو أشد لحناً من هذه الآية .