بالترتيب : اولاً وثانياً ، نظير الكتابة المنسوبة الى الانسان والى يده .
ومغزى الكلام : هو ان سائق التكوين يسوق الانسان الى سعادته الوجودية وكماله الحيوي كما مر الكلام فيه في البحث عن النبوة العامة ، ومن المعلوم ان من جملة منازل هذا النوع في مسيره الى السعادة منزل الاعمال ، فإِذا عرض لهذا السير عائق مانع يوجب توقفه أو اشراف سائره الى الهلاك والبوار قوبل ذلك بما يدفع العائق المذكور أو يهلك الجزء الفاسد ، نظير المزاج البدني يعارض العاهة العارضة للبدن أو لعضو من اعضائه فإِن وفق له اصلح المحل وان عجز عنه تركه مفلجاً لا يستفاد به .
وقد دلت المشاهدة والتجربة على ان الصنع والتكوين جهز كل موجود نوعي بما يدفع به الآفات والفسادات المتوجه اليه ، ولا معنى لاستثناء الانسان في نوعه وفرده عن هذه الكلية ! ودلتا ايضاً على ان التكوين يعارض كل موجود نوعي بامور غير ملائمة تدعوه الى اعمال قواه الوجودية ليكمل بذلك في وجوده ويوصله غايته وسعادته التي هيأها له ، فما بال الانسان لا يعتنى في شأنه بذلك ؟
وهذا هو الذي يدل عليه قوله تعالى « وَمَا خَلَقْنَا
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ
لَا يَعْلَمُونَ » الدخان ـ ٣٩ ، وقوله
تعالى : « وَمَا
خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَٰلِكَ ظَنُّ
الَّذِينَ كَفَرُوا » ص ـ ٢٧ ، فكما ان صانعاً من الصناع اذا صنع شيئاً لعباً ومن غير غاية مثلاً انقطعت الرابطة
بينه وبين مصنوعه بمجرد ايجاده ، ولم يبال : الى ما يؤل امره ؟ وماذا يصادفه من الفساد والآفة ؟ لكنه لو صنعه لغاية كان مراقباً لامره شاهداً على راسه ، اذا عرضه عارض يعوقه عن الغاية التي صنعه لاجلها وركب اجزائه للوصول اليها اصلح حاله وتعرض لشأنه بزيادة ونقيصة أو بإِبطاله من راس وتحليل تركيبه والعود الى صنعة جديدة ، كذلك الحال في خلق السموات والارض وما بينهما ومن جملتها الانسان ، لم يخلق الله سبحانه ما خلقه عبثاً ، ولم يوجده هبائاً ، بل للرجوع اليه كما قال تعالى : « أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ
» المؤمنون ـ ١١٥ ، وقال تعالى : « وإِن إِلَىٰ رَبِّكَ الْمُنتَهَىٰ
» النجم ـ ٤٢ ، ومن الضروري حينئذ ان تتعلق العناية الربانية إِلى