ما حلف به ويصغر أمر ما أقسم به لكثرة تناوله فلا يبالي الكذب فيكثر منه هذا عند نفسه ، وكذا يهون خطبه وينزل قدره عند الناس لاستشعارهم أنه لا يرى لنفسه عند الناس قدم صدق ويعتقد أنهم لا يصدقونه فيما يقول ، ولا أنه يوقر نفسه بالاعتماد عليها ، فيكون على حد قوله تعالى : « وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ » القلم ـ ١٠ ، والأنسب على هذا المعنى أيضاً عدم تقدير لا في الكلام بل قوله تعالى : أن تبروا منصوب بنزع الخافض أو مفعول له لما يدل عليه النهي في قوله ولا تجعلوا ، كما مر .
وفي قوله تعالى : والله سميع عليم نوع تهديد على جميع المعاني أن المعنى الأول أظهرها كما لا يخفى .
قوله تعالى : لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم إِلى آخر الآية ، اللغو من الافعال ما لا يستتبع أثراً ، وأثر الشيء يختلف فاختلاف جهاته ومتعلقاته ، فلليمين أثر من حيث انه لفظ ، واثر من حيث انه مؤكد للكلام ، واثر من حيث انه عقد واثر من حيث حنثه ومخالفة مؤداه ، وهكذا إِلا أن المقابلة في الآية بين عدم المؤاخذة على لغو اليمين وبين المؤاخذة على ما كسبته القلوب وخاصة من حيث اليمين تدل على أن المراد بلغو اليمين ما لا يؤثر في قصد الحالف ، وهو اليمين الذي لا يعقد صاحبه على شيء من قول : لا والله وبلى والله .
والكسب هو اجتلاب المنافع بالعمل بصنعة أو حرفة أو نحوهما واصله في اقتناء ما يرتفع به حوائج الانسان المادية ثم استعير لكل ما يجتلبه الانسان بعمل من اعماله من خير او شر ككسب المدح والفخر وحسن الذكر بحسن الخلق والخدمات النوعية وكسب الخلق الحسن والعلم النافع والفضيلة بالاعمال المناسبة لها ، وكسب اللوم والذم ، واللعن والطعن ، والذنوب والآثام ، ونحوها بالأعمال المستتبعة لذلك ، فهذا هو معنى الكسب والاكتساب ، وقد قيل في الفرق بينهما أن الاكتساب اجتلاب الانسان المنفعة لنفسه ، والكسب أعم مما يكون لنفسه او غيره مثل كسب العبد لسيده وكسب الولي للمولى عليه ونحو ذلك .
وكيف كان فالكاسب والمكتسب هو الانسان لا غير .
( كلام في معنى القلب في القرآن )
وهذا من الشواهد على أن المراد بالقلب
هو الانسان بمعنى النفس والروح ،