وقد اشتملت هذه الآية والتي قبلها على عدد كثير من الاسماء المنكرة والكنايات من غير ردائة في السياق كقوله تعالى : فإِمساك بمعروف أو تسريح بإِحسان ، أربعة اسماء منكرة ، وقوله تعالى : مما آتيتموهن شيئاً كني به عن المهر ، وقوله تعالى : فإِن خفتم ، كني به عن وجوب كون الخوف جارياً على مجرى العادة المعروفة ، وقوله تعالى : فيما افتدت به ، كني به عن مال الخلع ، وقوله تعالى : فإِن طلقها ، اريد به التطليقة الثالثة ، وقوله تعالى : فلا تحل له ، أُريد به تحريم العقد والوطى ، وقوله تعالى : حتى تنكح زوجاً غيره ، أُريد به العقد والوطى معاً كناية مؤدبة ، وقوله تعالى : ان يتراجعا ، كني به عن العقد .
وفي الآيتين حسن المقابلة بين الامساك والتسريح ، وبين قوله ان يخافا ان لا يقيما حدود الله وبين قوله : إِن ظنا ان يقيما حدود الله ، والتفنن في التعبير في قوله : فلا تعتدوها وقوله : ومن يتعد .
قوله تعالى : وإِذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن إِلى قوله : لتعتدوا ، المراد ببلوغ الاجل الاشراف على انقضاء العدة فإِن البلوغ كما يستعمل في الوصول إِلى الغاية كذلك يستعمل في الاقتراب منها ، والدليل على ان المراد به ذلك قوله تعالى : فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ، إِذ لا معنى للامساك ولا التسريح بعد انقضاء العدة : وفي قوله تعالى : ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا ، نهى عن الرجوع بقصد المضارة كما نهى عن التسريح بالأخذ من المهر في غير الخلع .
قوله تعالى : ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه إِلى آخر الآية إِشارة إِلى حكمة النهي عن الامساك للمضارة فإِن التزوج لتتميم سعادة الحياة ، ولا يتم ذلك إِلا بسكون كل من الزوجين إِلى الآخر وإِعانته في رفع حوائج الغرائز ، والامساك خاصة رجوع إِلى الاتصال والاجتماع بعد الانفصال والافتراق ، وفيه جمع الشمل بعد شتاته ، وأين ذلك من الرجوع بقصد المضارة .
فمن يفعل ذلك أي امسك ضراراً فقد ظلم نفسه حيث حملها على الانحراف عن الطريقة التي تهدي اليها فطرته الانسانية .
على انه اتخذ آيات الله هزواً يستهزء
بها فإِن الله سبحانه لم يشرع ما شرعه لهم