المخاطبة وهو رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فإِنه هو المخاطب بالكلام من غير واسطة ، وغيره فخاطب بوساطته ، واما الخطابات المشتملة على الاحكام فجميعها موجهة نحو المجموع ، ويرجع حقيقة هذا النوع من الالتفات الكلامي الى توسعة الخطاب بعد تضييقه وتضييقه بعد توسعته فليتدبر فيه .
قوله تعالى : ذلكم ازكى لكم واطهر ، الزكاة هو النمو الصالح الطيب ، وقد مر الكلام في معنى الطهارة ، والمشار اليه بقوله : ذلكم عدم المنع عن رجوعهن الى ازواجهن ، او نفس رجوعهن الى ازواجهن ، والمآل واحد ، وذلك ان فيه رجوعاً من الانثلام والانفصال إِلى الالتيام والاتصال ، وتقوية لغريزة التوحيد في النفوس فينمو على ذلك جميع الفضائل الدينية ، وفيه تربية لملكة العفة والحياء فيهن وهو استر لهن واطهر لنفوسهن ، ومن جهة أُخرى فيه حفظ قلوبهن عن الوقوع على الاجانب إِذا منعن عن نكاح ازواجهن .
والإسلام دين الزكاة والطهارة والعلم ، قال تعالى : « وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ » آل عمران ـ ١٦٤ ، وقال تعالى : « وَلَٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ » المائدة ـ ٧ .
قوله تعالى : والله يعلم وانتم لا تعلمون ، اي إِلا ما يعلمكم كما قال تعالى : « وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ » آل عمران ـ ١٦٤ ، وقال تعالى : « وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ » البقرة ـ ٢٥٥ ، فلا تنافي بين هذه الآية وبين قوله تعالى : وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون الآية اي يعلمون بتعليم الله .
قوله تعالى : والوالدات يرضعن اولادهن حولين كاملين لمن اراد ان يتم الرضاعه . الوالدات هن الامهات ، وإِنما عدل عن الامهات الى الوالدات لان الام اعم من الوالدة كما ان الاب اعم من الوالد والابن اعم من الولد ، والحكم في الآية مشروع في خصوص مورد الوالدة والولد والمولود له ، واما تبديل الوالد بالمولود له ، ففيه اشارة الى حكمة التشريع فإِن الوالد لما كان مولوداً للوالد ملحقاً به في معظم أحكام حياته لا في جميعها كما سيجيء بيانها في آية التحريم من سورة النساء إِنشاء الله كان عليه ان يقوم بمصالح حياته ولوازم تربيته ، ومنها كسوة امه التي ترضعه ، ونفقتها ، وكان على أُمه أن لا تضار والده لان الولد مولود له .