قوله تعالى : تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض ، إِشارة الى فخامة امر الرسل وعلو مقامهم ولذلك جيء في الإشارة بكلمة تلك الدالة على الاشارة إِلى بعيد ، وفيه دلالة على التفضيل الإلهي الواقع بين الانبياء عليهم السلام ففيهم من هو افضل وفيهم من هو مفضل عليه ، وللجميع فضل فإِن الرسالة في نفسها فضيلة وهي مشتركة بين الجميع ، ففيما بين الرسل أيضاً اختلاف في المقامات وتفاوت في الدرجات كما أن بين الذين بعدهم اختلافاً على ما يدل عليه ذيل الآية إِلا ان بين الاختلافين فرقاً ، فإِن الاختلاف بين الانبياء اختلاف في المقامات وتفاضل في الدرجات مع اتحادهم في أصل الفضل وهو الرسالة ، واجتماعهم في مجمع الكمال وهو التوحيد ، وهذا بخلاف الاختلاف الموجود بين امم الانبياء بعدهم فإِنه اختلاف بالايمان والكفر ، والنفي والاثبات ، ومن المعلوم أن لا جامع في هذا النحو من الاختلاف ، ولذلك فرق تعالى بينهما من حيث التعبير فسمى ما للانبياء تفضيلاً ونسبه الى نفسه ، وسمى ما عند الناس بالاختلاف ونسبه الى أنفسهم ، فقال في مورد الرسل فضلنا ، وفي مورد أُممهم اختلفوا .
ولما كان ذيل الآية متعرضاً لمسألة القتال مرتبطاً بها والآيات المتقدمة على الآية أيضاً راجعة الى القتال بالامر به والاقتصاص فيه لم يكن مناص من كون هذه القطعة من الكلام أعني قوله تعالى : تلك الرسل فضلنا الى قوله بروح القدس مقدمة لتبيين ما في ذيل الآية من قوله : ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم الى قوله تعالى : ولكن الله يفعل ما يريد .
وعلى هذا فصدر الآية لبيان أن مقام الرسالة على اشتراكه بين الرسل عليهم السلام مقام تنمو فيه الخيرات والبركات ، وتنبع فيه الكمال والسعادة ودرجات القربى والزلفى كالتكليم الالهي وإِيتاء البينات والتأييد بروح القدس ، وهذا المقام على ما فيه من الخير والكمال لم يوجب ارتفاع القتال لاستناده إِلى اختلاف الناس أنفسهم .
وبعبارة أُخرى محصل معنى الآية أن الرسالة
على ما هي عليه من الفضيلة مقام تنمو فيه الخيرات كلما انعطفت الى جانب منه وجدت فضلاً جديداً ، وكلما ملت الى نحو من انحائه ألفيت غضاً طرياً ، وهذا المقام على ما فيه من البهاء والسناء
والاتيان بالآيات البينات لا يتم به رفع الاختلاف بين الناس بالكفر والايمان ، فإِن هذا
الاختلاف إِنما يستند الى انفسهم ، فهم انفسهم اوجدوا هذا الاختلاف كما قال تعالى في موضع